الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الحيلة في النكاح

                                                                                                                                                                                                        6559 حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال حدثني نافع عن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار قلت لنافع ما الشغار قال ينكح ابنة الرجل وينكحه ابنته بغير صداق وينكح أخت الرجل وينكحه أخته بغير صداق وقال بعض الناس إن احتال حتى تزوج على الشغار فهو جائز والشرط باطل وقال في المتعة النكاح فاسد والشرط باطل وقال بعضهم المتعة والشغار جائز والشرط باطل

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب الحيلة في النكاح ) ذكر فيه حديث ابن عمر في النهي عن الشغار ، وفيه تفسيره عن نافع ، وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب النكاح وتقرير كون التفسير مرفوعا قال ابن المنير : إدخال البخاري الشغار في باب الحيل مع أن القائل بالجواز يبطل الشغار ويوجب مهر المثل مشكل ، ويمكن أن يقال إنه أخذه مما نقل أن العرب كانت تأنف من التلفظ بالنكاح من جانب المرأة فرجعوا إلى التلفظ بالشغار لوجود المساواة [ ص: 350 ] التي تدفع الأنفة ، فمحا الشرع رسم الجاهلية فحرم الشغار وشدد فيه ما لم يشدد في النكاح الخالي عن ذكر الصداق ، فلو صححنا النكاح بلفظ الشغار وأوجبنا مهر المثل أبقينا غرض الجاهلية بهذه الحيلة ، انتهى .

                                                                                                                                                                                                        وفيه نظر لأن الذي نقله عن العرب لا أصل له ، لأن الشغار في العرب بالنسبة إلى غيره قليل ، وقضية ما ذكره أن تكون أنكحتهم كلها كانت شغارا لوجود الأنفة في جميعهم . والذي يظهر لي أن الحيلة في الشغار تتصور في موسر أراد تزويج بنت فقير فامتنع أو اشتط في المهر فخدعه بأن قال له زوجنيها وأنا أزوجك بنتي فرغب الفقير في ذلك لسهولة ذلك عليه فلما وقع العقد على ذلك وقيل له إن العقد يصح ويلزم لكل منهما مهر المثل فإنه يندم إذ لا قدرة له على مهر المثل لبنت الموسر وحصل للموسر مقصوده بالتزويج لسهولة مهر المثل عليه ، فإذا أبطل الشغار من أصله بطلت هذه الحيلة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال بعض الناس : إن احتال حتى تزوج على الشغار فهو جائز والشرط باطل ) وقال في المتعة : النكاح فاسد والشرط باطل .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وهذا بناء على قاعدة الحنفية أن ما لم يشرع بأصله باطل ، وما شرع بأصله دون وصفه فاسد ، فالنكاح مشروع بأصله وجعل البضع صداقا وصف فيه فيفسد الصداق ويصح النكاح ، بخلاف المتعة فإنها لما ثبت أنها منسوخة صارت غير مشروعة بأصلها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال بعضهم : المتعة والشغار جائزان والشرط باطل ) أي في كل منهما كأنه يشير إلى ما نقل عن زفر أنه أجاز النكاح المؤقت وألغى الوقت لأنه فاسد والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة ، وردوا عليه بالفرق المذكور ، قال ابن بطال لا يكون البضع صداقا عند أحد من العلماء وإنما قالوا ينعقد النكاح بمهر المثل إذا اجتمعت شروطه والصداق ليس بركن فيه ، فهو كما لو عقد بغير صداق ثم ذكر الصداق فصار ذكر البضع كلا ذكر انتهى .

                                                                                                                                                                                                        وهذا محصل ما قاله أبو زيد وغيره من أئمة الحنفية ، وتعقبه ابن السمعاني فقال : ليس الشغار إلا النكاح الذي اختلفنا فيه وقد ثبت النهي عنه والنهي يقتضي فساد المنهي عنه لأن العقد الشرعي إنما يجوز بالشرع وإذا كان منهيا لم يكن مشروعا ، ومن جهة المعنى أنه يمنع تمام الإيجاب في البضع للزوج والنكاح لا ينعقد إلا بإيجاب كامل ، ووجه قولنا يمنع أن الذي أوجبه للزوج نكاحا هو الذي أوجبه للمرأة صداقا ، وإذا لم يحصل كمال الإيجاب لا يصح فإنه جعل عين ما أوجبه للزوج صداقا للمرأة فهو كمن جعل الشيء لشخص في عقد ثم جعل عينه لشخص آخر فإنه لا يكمل الجعل الأول ، قال : ولا يعارض هذا ما لو زوج أمته آخر فإن الزوج يملك التمتع بالفرج والسيد يملك رقبة الفرج بدليل أنها لو وطئت بعد بشبهة يكون المهر للسيد ، والفرق أن الذي جعله السيد للزوج لم يبقه لنفسه لأنه ملك التمتع بالأمة للزوج وما عدا ذلك باق له ، وفي مسألة الشغار جعل ملك التمتع الذي جعله للزوج بعينه صداقا للمرأة الأخرى ورقبة البضع لا تدخل تحت ملك اليمين حتى يصح جعله صداقا .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية