الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (66) وقوله تعالى : من في السماوات ومن في الأرض : يجوز أن يراد [به] العقلاء خاصة ، ويكون من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى ، وذلك أنه تعالى إذا كان يملك أشرف المخلوقات وهما الثقلان العقلاء من الملائكة والإنس والجن فلأن يملك ما سواهم بطريق الأولى والأحرى . ويجوز أن يراد العموم ، وغلب العاقل على غيره .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 235 ] قوله : وما يتبع يجوز في " ما " هذه أن تكون نافية وهو الظاهر . و " شركاء " مفعول " يتبع " ، ومفعول " يدعون " محذوف لفهم المعنى ، والتقدير : وما يتبع الذين يدعون من دون الله آلهة شركاء ، فآلهة مفعول " يدعون " و " شركاء " مفعول " يتبع " ، وهو قول الزمخشري ، قال : " ومعنى وما يتبعون شركاء : وما يتبعون حقيقة الشركاء وإن كانوا يسمونها شركاء ؛ لأن شركة الله في الربوبية محال ، إن يتبعون إلا ظنهم أنها شركاء " . ثم قال : " ويجوز أن تكون " ما " استفهاما ، يعني : وأي شيء يتبعون ، و " شركاء " على هذا نصب بـ " يدعون " ، وعلى الأول بـ " يتبع " وكان حقه " وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء " فاقتصر على أحدهما للدلالة " .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الذي ذكره الزمخشري قد رده مكي ابن أبي طالب وأبو البقاء . أما مكي فقال : " انتصب شركاء بـ " يدعون " ومفعول " يتبع " قام مقامه " إن يتبعون إلا الظن لأنه هو ، ولا ينتصب الشركاء بـ " يتبع " لأنك تنفي عنهم ذلك ، والله قد أخبر به عنهم " . وقال أبو البقاء : " وشركاء مفعول " يدعون " ولا يجوز أن يكون مفعول " يتبعون " ؛ لأن المعنى يصير إلى أنهم لم يتبعوا شركاء ، وليس كذلك " .

                                                                                                                                                                                                                                      قلت : معنى كلامهما أنه يؤول المعنى إلى نفي اتباعهم الشركاء ، والواقع أنهم قد اتبعوا الشركاء . وجوابه ما تقدم من أن المعنى أنهم وإن اتبعوا شركاء فليسوا بشركاء في الحقيقة ؛ بل في تسميتهم هم لهم بذلك ، فكأنهم لم يتخذوا شركاء ولا اتبعوهم لسلب الصفة الحقيقية عنهم ، ومثله قولك : " ما رأيت رجلا " ، أي : من يستحق أن يسمى رجلا ، وإن كنت قد [ ص: 236 ] رأيت الذكر من بني آدم . ويجوز أن تكون " ما " استفهامية ، وتكون حينئذ منصوبة بما بعدها ، وقد تقدم قول الزمخشري في ذلك . وقال مكي : " لو جعلت " ما " استفهاما بمعنى الإنكار والتوبيخ كانت اسما في موضع نصب بـ " يتبع " . وقال أبو البقاء نحوه .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن تكون " ما " موصولة بمعنى الذي نسقا على " من " في قوله : ألا إن لله من في السماوات ، قال الزمخشري : " ويجوز أن تكون " ما " موصولة معطوفة على " من " ، كأنه قيل : ولله ما يتبعه الذين يدعون من دون الله شركاء ، أي : وله شركاؤكم " .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن تكون " ما " هذه الموصولة في محل رفع بالابتداء ، والخبر محذوف تقديره : والذي يتبعه المشركون باطل . فهذه أربعة أوجه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ السلمي " تدعون " بالخطاب ، وعزاها الزمخشري لعلي ابن أبي طالب . قال ابن عطية : " وهي قراءة غير متجهة " قلت : قد ذكر توجيهها أبو القاسم ، فقال : " ووجهه أن يحمل " وما يتبع " على الاستفهام ، أي : وأي شيء يتبع الذين تدعونهم شركاء من الملائكة والنبيين ، يعني أنهم يتبعون الله تعالى ويطيعونه ، فما لكم لا تفعلون مثل فعلهم كقوله تعالى : أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : إن يتبعون " إن " نافية ، و " الظن " مفعول به ، فهو استثناء مفرغ ، [ ص: 237 ] ومفعول الظن محذوف تقديره : إن يتبعون إلا الظن أنهم شركاء ، وعند الكوفيين تكون أل عوضا من الضمير تقديره : " إن يتبعون إلا ظنهم أنهم شركاء . والأحسن أن لا يقدر للظن معمول ؛ إذ المعنى : إن يتبعون إلا الظن لا اليقين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إن يتبعون من قرأ " يدعون " بياء الغيبة فقد جاء بـ " يتبعون " مطابقا له ، ومن قرأ " تدعون " بالخطاب فيكون " يتبعون " التفاتا ، إذ هو خروج من خطاب إلى غيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية