الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 14 ] قوله عز وجل:

فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين .

جاوز : فاعل من جاز يجوز، وهي مفاعلة من اثنين في كل موضع. لأن النهر وما أشبهه كأنه يجاوز.

واختلف الناس في الذين آمنوا معه كم كانوا- فقال البراء بن عازب: كنا نتحدث أن عدة أهل بدر كعدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر- ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، وفي رواية: وثلاثة عشر رجلا، وما جاز معه إلا مؤمن.

وقال قتادة: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر: أنتم كعدة أصحاب طالوت: وقال السدي، وابن عباس: "بل جاز معه أربعة آلاف رجل". قال ابن عباس: "فيهم من شرب" قالا: فلما نظروا إلى جالوت وجنوده: "قالوا: لا طاقة لنا اليوم"، ورجع منهم ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون، هذا نص قول السدي، ومعنى قول ابن عباس، فعلى القول الأول قالت الجهلة: لا طاقة لنا اليوم على جهة استكثار العدو، فقال أهل الصلابة منهم والتصميم والاستماتة: كم من فئة قليلة الآية. وظن لقاء الله -على هذا القول- يحسن أن يكون ظنا على بابه، أي: يظنون أنهم يستشهدون في ذلك اليوم لعزمهم على صدق القتال، كما جرى لعبد الله بن حرام في أحد، ولغيره.

وعلى القول الثاني، قال كثير من الأربعة الآلاف: لا طاقة لنا على جهة الفشل والفزع من الموت، وانصرفوا عن طالوت، فقال المؤمنون الموقنون بالبعث والرجوع إلى الله وهم عدة أهل بدر كم من فئة ، والظن -على هذا- بمعنى اليقين، وهو فيما لم يقع بعد ولا خرج إلى الحس.

[ ص: 15 ] قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

وما روي عن ابن عباس من أن في الأربعة الآلاف من شرب يرد عليه قوله تعالى: هو والذين آمنوا معه .

وأكثر المفسرين على أنه إنما جاوز النهر من لم يشرب إلا غرفة، ومن لم يشرب جملة، ثم كانت بصائر هؤلاء مختلفة، فبعض كع، وقليل صمم.

وقرأ أبي بن كعب: "كأين من فئة" ، والفئة: الجماعة التي يرجع إليها في الشدائد. من قولهم: فاء يفيء إذا رجع، وقد يكون الرجل الواحد فئة تشبيها والملك فئة الناس، والجبل فئة، والحصن- كل ذلك تشبيه.

وفي قولهم رضي الله عنهم: كم من فئة الآية، تحريض بالمثال، وحض واستشعار للصبر واقتداء بمن صدق ربه - وإذن الله هنا: تمكينه، وعلمه- مجموع ذلك هو الإذن والله مع الصابرين بنصره وتأييده.

التالي السابق


الخدمات العلمية