الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال ابن فارس في كتاب " الأفراد " : كل ما في القرآن من ذكر ( الأسف ) فمعناه الحزن إلا : فلما آسفونا [ الزخرف : 55 ] فمعناه أغضبونا .

وكل ما فيه من ذكر ( البروج ) فهي الكواكب إلا : ولو كنتم في بروج مشيدة [ النساء : 78 ] فهي القصور الطوال الحصينة .

وكل ما فيه من ذكر ( البر والبحر ) فالمراد بالبحر الماء ، وبالبر التراب اليابس إلا : ظهر الفساد في البر والبحر [ الروم : 41 ] فالمراد به البرية والعمران .

وكل ما فيه من ( بخس ) فهو النقص ، إلا : بثمن بخس [ يوسف : 20 ] أي : حرام .

وكل ما فيه من ( البعل ) فهو الزوج إلا أتدعون بعلا [ الصافات : 125 ] فهو : الصنم .

وكل ما فيه من ( البكم ) فالخرس عن الكلام بالإيمان ، إلا عميا وبكما وصما في [ الإسراء : 97 ] ، و أحدهما أبكم في [ النحل : 76 ] ، فالمراد به عدم القدرة على الكلام مطلقا .

وكل ما فيه ( جثيا ) فمعناه جميعا ، إلا : وترى كل أمة جاثية [ الجاثية : 28 ] فمعناه تجثو على ركبها .

وكل ما فيه من ( حسبان ) فهو العدد ، إلا : حسبانا من السماء [ الكهف : 40 ] فهو العذاب .

وكل ما فيه ( حسرة ) فالندامة ، إلا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم [ آل عمران : 156 ] فمعناه الحزن .

[ ص: 448 ] وكل ما فيه من ( الدحض ) فالباطل ، إلا فكان من المدحضين [ الصافات : 141 ] فمعناه من المقروعين .

وكل ما فيه من ( رجز ) فالعذاب إلا : والرجز فاهجر [ المدثر : 5 ] فالمراد به الصنم .

وكل ما فيه من ( ريب ) فالشك إلا ريب المنون [ الطور : 30 ] يعني : حوادث الدهر .

وكل ما فيه من ( الرجم ) فهو القتل إلا لأرجمنك [ مريم : 46 ] ، فمعناه : لأشتمنك و رجما بالغيب [ الكهف : 22 ] أي : ظنا .

وكل ما فيه من ( الزور ) فالكذب مع الشرك ، إلا منكرا من القول وزورا [ المجادلة : 2 ] ; فإنه كذب غير الشرك .

وكل ما فيه من ( زكاة ) فهو المال ، إلا وحنانا من لدنا وزكاة [ مريم : 13 ] أي طهرة .

وكل ما فيه من ( الزيغ ) فالميل ، إلا وإذ زاغت الأبصار [ الأحزاب : 10 ] أي شخصت .

وكل ما فيه من ( سخر ) فالاستهزاء ، إلا سخريا في [ الزخرف : 32 ] فهو من التسخير والاستخدام .

وكل ( سكينة ) فيه طمأنينة ، إلا التي في قصة طالوت فهو شيء كرأس الهرة له جناحان .

وكل ( سعير ) فيه فهو النار والوقود ، إلا لفي ضلال وسعر [ القمر : 47 ] فهو العناء .

وكل ( شيطان ) فيه فإبليس وجنوده ، إلا وإذا خلوا إلى شياطينهم [ البقرة : 14 ] .

وكل ( شهيد ) فيه غير القتلى فمن يشهد في أمور الناس ، إلا وادعوا شهداءكم [ البقرة : 23 ] فهو شركاؤكم .

وكل ما فيه من ( أصحاب النار ) فأهلها إلا وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة [ المدثر : 31 ] فالمراد خزنتها .

وكل ( صلاة ) فيه عبادة ورحمة ، إلا وصلوات ومساجد [ الحج : 40 ] فهي الأماكن .

وكل ( صمم ) فيه ، ففي سماع الإيمان والقرآن خاصة ، إلا الذي في الإسراء .

وكل ( عذاب ) فيه فالتعذيب ، إلا : وليشهد عذابهما [ النور : 2 ] فهو الضرب .

وكل ( قنوت ) فيه طاعة ، إلا : كل له قانتون [ البقرة : 116 ] [ الروم : 26 ] فمعناه : مقرون .

[ ص: 449 ] وكل ( كنز ) فيه مال ، إلا الذي في الكهف فهو صحيفة علم .

وكل ( مصباح ) فيه كوكب ، إلا الذي في النور فالسراج .

وكل ( نكاح ) فيه تزوج ، إلا حتى إذا بلغوا النكاح [ النساء : 6 ] فهو الحلم .

وكل ( نبأ ) فيه خبر ، إلا : فعميت عليهم الأنباء [ القصص : 60 ] فهي الحجج .

وكل ( ورود ) فيه دخول ، إلا : ولما ورد ماء مدين [ القصص : 23 ] يعني : هجم عليه ولم يدخله .

وكل ما فيه من : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ البقرة : 286 ] فالمراد من العمل ، إلا التي في الطلاق فالمراد من النفقة .

وكل ( يأس ) فيه قنوط ، إلا التي في الرعد فمن العلم .

وكل ( صبر ) فيه محمود ، إلا لولا أن صبرنا عليها [ الفرقان : 42 ] واصبروا على آلهتكم [ ص : 6 ] .

هذا آخر ما ذكره ابن فارس .

وقال غيره : كل ( صوم ) فيه فمن العبادة ، إلا نذرت للرحمن صوما [ مريم : 26 ] أي : صمتا .

وكل ما فيه من ( الظلمات والنور ) فالمراد الكفر والإيمان ، إلا التي في أول الأنعام ، فالمراد : ظلمة الليل ، ونور النهار .

وكل ( إنفاق ) فيه فهو الصدقة ، إلا فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا [ الممتحنة : 11 ] ، فالمراد به المهر .

وقال الداني : كل ما فيه من ( الحضور ) - بالضاد - فهو من المشاهدة إلا موضعا واحدا ، فإنه بالظاء من الاحتظار وهو المنع ، وهو قوله تعالى : كهشيم المحتظر [ القمر : 31 ] .

وقال ابن خالويه : ليس في القرآن ( بعد ) بمعنى ( قبل ) إلا حرف واحد : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر [ الأنبياء : 105 ] .

قال مغلطاي في كتاب " الميسر " : قد وجدنا حرفا آخر وهو قوله تعالى : والأرض بعد ذلك دحاها [ النازعات : 30 ] .

قال أبو موسى في كتاب " المغيث " : معناه هنا : قبل ; لأنه تعالى خلق الأرض في يومين ، ثم استوى إلى السماء ، فعلى هذا خلق الأرض قبل خلق السماء . انتهى .

قلت : قد تعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعون لشيء من هذا النوع .

[ ص: 450 ] فأخرج الإمام أحمد في مسنده ، وابن أبي حاتم ، وغيرهما من طريق دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة . هذا إسناده جيد وابن حبان يصححه .

وأخرج ابن أبي حاتم ، من طريق عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كل شيء في القرآن ( أليم ) فهو الموجع .

وأخرج من طريق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : كل شيء في القرآن ( قتل ) فهو لعن .

وأخرج من طريق الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : كل شيء في كتاب الله من ( الرجز ) يعني به العذاب .

وقال الفريابي : حدثنا قيس ، عن عمار الدهني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كل ( تسبيح ) في القرآن صلاة ، وكل ( سلطان ) في القرآن حجة .

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كل شيء في القرآن ( الدين ) فهو الحساب .

وأخرج ابن الأنباري في كتاب " الوقف والابتداء " من طريق السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس ، قال : كل ريب شك إلا مكانا واحدا ، في الطور ريب المنون [ الآية : 30 ] يعني حوادث الأمور .

[ ص: 451 ] وأخرج ابن أبي حاتم وغيره ، عن أبي بن كعب ، قال : كل شيء في القرآن من ( الرياح ) فهي رحمة ، وكل شيء فيه من ( الريح ) فهو عذاب .

وأخرج عن الضحاك ، قال : كل ( كأس ) ذكره الله في القرآن إنما عنى به الخمر .

وأخرج عنه قال : كل شيء في القرآن ( فاطر ) فهو خالق .

وأخرج عن سعيد بن جبير ، قال : كل شيء في القرآن ( إفك ) فهو كذب .

وأخرج عن أبي العالية قال : كل آية في القرآن في الأمر بالمعروف فهو الإسلام ، والنهي عن المنكر فهو عبادة الأوثان .

وأخرج عن أبي العالية ، قال : كل آية في القرآن يذكر فيها ( حفظ الفرج ) فهو من الزنى ، إلا قوله تعالى : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم [ النور : 30 ] فالمراد ألا يراها أحد .

وأخرج عن مجاهد قال : كل شيء في القرآن ( إن الإنسان كفور ) إنما يعني به الكفار .

وأخرج عن عمر بن عبد العزيز قال : كل شيء في القرآن ( خلود ) فإنه لا توبة له .

وأخرج عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، قال : كل شيء في القرآن ( يقدر ) فمعناه يقل .

وأخرج عنه قال : ( التزكي ) في القرآن كله إسلام .

وأخرج عن أبي مالك قال : ( وراء ) في القرآن ( أمام ) كله ، غير حرفين فمن ابتغى وراء ذلك [ المؤمنون : 7 ] يعني : سوى ذلك ، وأحل لكم ما وراء ذلكم [ النساء : 24 ] ، يعني : سوى ذلكم .

وأخرج عن أبي بكر بن عياش ، قال : ما كان ( كسفا ) فهو عذاب ، وما كان ( كسفا ) فهو قطع السحاب .

وأخرج عن عكرمة ، قال : ما صنع الله فهو ( السد ) ما صنع الناس فهو ( السد .

وأخرج ابن جرير ، عن أبي روق ، قال : كل شيء في القرآن ( جعل ) فهو خلق .

وأخرج عن مجاهد قال : ( المباشرة ) في كل كتاب الله الجماع .

[ ص: 452 ] وأخرج عن ابن زيد ، قال : كل شيء في القرآن ( فاسق ) فهو كاذب ، إلا قليلا .

وأخرج ابن المنذر ، عن السدي ، قال : ما كان في القرآن ( حنيفا ) مسلما ، وما كان في القرآن ( حنفاء ) مسلمين حجاجا .

وأخرج عن سعيد بن جبير قال : ( العفو ) في القرآن على ثلاثة أنحاء : نحو تجاوز عن الذنب ، ونحو في القصد في النفقة : ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو [ البقرة : 219 ] ونحو في الإحسان فيما بين الناس : إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح [ البقرة : 237 ] .

وفي صحيح البخاري : قال سفيان بن عيينة : ما سمى الله المطر في القرآن إلا عذابا ، وتسميه العرب الغيث .

قلت : استثني من ذلك : إن كان بكم أذى من مطر [ النساء : 102 ] فإن المراد به الغيث قطعا .

وقال أبو عبيدة : إذا كان في العذاب فهو أمطرت ، وإذا كان في الرحمة فهو مطرت .

فرع : أخرج أبو الشيخ ، عن الضحاك ، قال : قال لي ابن عباس : احفظ عني كل شيء في القرآن وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير [ التوبة : 74 ] فهو للمشركين ، فأما المؤمنون فما أكثر أنصارهم وشفعاءهم .

وأخرج سعيد بن منصور ، عن مجاهد ، قال : كل طعام في القرآن فهو نصف صاع .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن وهب بن منبه ، قال : كل شيء في القرآن ( قليل ) و ( إلا قليل ) فهو دون العشرة .

وأخرج عن مسروق ، قال : ما كان في القرآن على صلاتهم يحافظون [ الأنعام : 92 ] ، حافظوا على الصلوات [ البقرة : 238 ] ، فهو على مواقيتها .

وأخرج عن سفيان بن عيينة ، قال : كل شيء في القرآن : ( وما يدريك ) فلم يخبر به ( وما أدراك ) فقد أخبر به .

وأخرج عنه قال : كل ( مكر ) في القرآن فهو عمل .

[ ص: 453 ] وأخرج عن مجاهد ، قال : ما كان في القرآن ( قتل ) ، ( لعن ) فإنما عني به الكافر .

وقال الراغب في " مفرداته " : قيل : كل شيء ذكره الله بقوله : ( وما أدراك ) فسره ، وكل شيء ذكره بقوله : ( وما يدريك ) تركه . وقد ذكر وما أدراك ما سجين [ المطففين : 8 ] وما أدراك ما عليون [ المطففين : 19 ] ، ثم فسر الكتاب ، لا السجين ولا العليون . وفي ذلك نكتة لطيفة . انتهى . ولم يذكرها .

وبقيت أشياء تأتي في النوع الذي يلي هذا إن شاء الله تعالى - .

التالي السابق


الخدمات العلمية