الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ثم يبين سبحانه الطبيعة الإنسانية التي تخرج عن الفطرة، تمسها الضراء فتهون، وتذوق النعماء فتبطر، وينسيها الترف ما كان في ضرائها. يقول تعالى:

                                                          وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون

                                                          وتلك هي الطبيعة الإنسانية غير الصابرة، تذوق النعمة فتبطر معيشتها، وتمسها الضراء فإذا بها في ضعف وخور ويأس، تلجأ إلى الله فإذا أذاقها الرحمة عادت إلى طغوائها.

                                                          الضراء: هي الضرر فقد تكون مرضا يصيب الجسم أو جوعا وقحطا، فالضراء هنا تشمل السقام وتشمل القلة في الطعام والرزق، وقد أصاب قريش القحط سبع سنين دأبا حتى جاءهم الغيث فكان رحمة بهم بعد القحط وقلة الغذاء، وقد عبر سبحانه بالإذاقة في قوله تعالى: وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء للإشارة إلى التمكن من الرحمة والدلالة على أنهم تمتعوا بعد الحرمان. [ ص: 3543 ]

                                                          (رحمة) هذا تأكيد على أن الرحمة مصدرها الله تعالى، إشارة إلى وجوب اختصاصه بالعبادة وحده، لأن الرحمة كانت ولم تكن من غيره مما سموه واتخذوه أندادا لله تعالى.

                                                          إذا لهم مكر في آياتنا هذا جواب الشرط إذا أذقنا وصدر الجواب بـ (إذا) التي هي للفجاءة، ودلالتها في هذا المقام أنهم في بأسائهم كان ينخفض وراء خضوعهم الظاهر جحود قد استبطنوه، سترته الشدة وكشفته الرحمة، فظهر مكنون نفوسهم وهو مكرهم في آياتنا، يقولون إنها سحر مبين أو بهتان وإفك، أو يقولون: إنما يعلمه بشر، والله راد كيدهم بتدبيره الحكيم.

                                                          (مكر) المكر هو الكيد الخفي، وقد قال سبحانه: قل الله أسرع مكرا فإذا بدا المكر السيئ الذي أخفته الضراء، فإن تدبير الله ورده عليهم أقوى وأحد.

                                                          ثم يبين سبحانه علمه بما يبدون وما يخفون وما يسرون ويعلنون، فقال سبحانه إن رسلنا يكتبون ما تمكرون وهم الكرام الحفظة الكاتبون من الملائكة.

                                                          وفي هذا إشارة إلى دقة ما يعلمه عنهم، وإلى أن ما يدبرون يعلمه - سبحانه وتعالى - في وقته فيكتبه.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية