الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 183 ] ثم دخلت سنة خمس وخمسين ومائة

فمن الحوادث فيها افتتاح يزيد بن حاتم إفريقية ، وقتله أبا غازي ، وأبا حاتم ومن كان معهما ، واستقامة بلاد المغرب ، ودخول يزيد القيروان .

وفيها: غزا الصائفة يزيد بن أسيد السلمي .

وفيها: وجه المنصور ابنه المهدي لبناء مدينة الرافقة ، فشخص إليها فبناها على بناء مدينته ببغداد ، في أبوابها وفصولها ورحابها وشوارعها سوى سورها وخندقها ، ثم انصرف إلى مدينة السلام .

وفيها: خندق أبو جعفر على الكوفة والبصرة ، وضرب عليهما سورا ، وجعل ما أنفق في ذلك من أموال أهل المكان .

وفيها: عزل عبد الملك بن أيوب عن البصرة ، واستعمل عليها القاسم بن معاوية العكي ، وضم إليه سعيد بن دعلج وأمره ببناء سور لها يطيف بها ، وخندق عليها من دون السور .

قال ابن جرير: وقد ذكرنا أن المنصور لما أراد الأمر ببناء سور الكوفة وبحفر خندق [ ص: 184 ] لها أمر بقسمة خمسة دراهم على أهل الكوفة ، وأراد بذلك علم عددهم ، فلما علم عددهم أمر بجبايتهم أربعين درهما من كل إنسان ، فجبوا . ثم أمر بإنفاق ذلك على سور الكوفة وحفر الخندق ، فقال شاعرهم:


يا لقومي ما لقينا من أمير المؤمنينا     قسم الخمسة فينا
وجبانا أربعينا

وفي هذه السنة: طلب ملك الروم الصلح من المنصور على أن يؤدي إليه الجزية .

وفيها: عزل المنصور أخاه العباس بن محمد عن الجزيرة وأغرمه مالا ، وغضب عليه وحبسه ثم رضي عنه ، واستعمل على حرب الجزيرة وخراجها موسى بن كعب .

وفيها: عزل المنصور محمد بن سليمان بن علي عن الكوفة ، واستعمل مكانه عمرو بن زهير أخا المسيب بن زهير .

وقال عمر بن شبة: إنما كان هذا في سنة ثلاث وخمسين . وعمرو هو الذي حفر الخندق بالكوفة .

واختلفوا في سبب عزله لمحمد بن سليمان . فقال بعضهم : إنما عزله لأمور قبيحة بلغته عنه اتهمه فيها .

وقال آخرون: بل كان السبب أنه أتى في عمله على الكوفة بعبد الكريم بن أبي العوجاء ، وكان خال معن بن زائدة ، فكثر شفعاؤه إلى أبي جعفر ، ولم يشفع فيه إلا ظنين ، فأمر بالكتاب إلى محمد بن سليمان بالكف عنه إلى أن يأتيه رأيه فيه .

فكلم ابن أبي العوجاء أبا الجبار ، فقال له: إن أخرني الأمير ثلاثة أيام فله مائة ألف درهم ولك كذا وكذا ، فأعلم أبو الجبار محمدا ، فقال: أذكرتنيه ، والله كنت قد نسيته ، فإذا [ ص: 185 ] انصرفت من الجمعة فأذكرنيه . فلما انصرف أذكره إياه فأمر بضرب عنقه ، فلما أيقن أنه مقتول قال: أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال ، وأحلل فيها الحرام ، ولقد فطرتكم في يوم صومكم وصومتكم في يوم فطركم ، فضربت عنقه .

وورد على محمد رسول أبي جعفر بكتابه: إياك أن تحدث في ابن أبي العوجاء شيئا ، فإنك إن فعلت فعلت بك وفعلت ، يتهدده . فقال للرسول: هذا رأس ابن أبي العوجاء وهذا بدنه مصلوبا بالكناسة ، فأخبر أمير المؤمنين .

فلما بلغ الرسول أبا جعفر رسالته تغيظ عليه وأمر بعزله ، ثم قال: والله لقد هممت أن أقيده به ، ثم أرسل إلى عيسى بن علي فأتاه ، فقال: هذا عملك ، أنت أشرت بتولية هذا الغلام فوليته غلاما جاهلا لا علم له بما يأتي ، يقدم على رجل فيقتله من غير أن رأى ولا ينتظر أمري ، وقد كتبت بعزله وبالله لأفعلن ، يتهدده فسكت عنه عيسى حتى سكن غضبه ثم قال: يا أمير المؤمنين ، إن محمدا إنما قتل هذا الرجل على الزندقة فإن كان قتله صوابا فهو لك ، وإن كان خطأ فعلى محمد ، والله يا أمير المؤمنين لئن عزلته على تفيئة ما صنع لترجعن القالة من العامة عليك . فأمر بالكتب فمزقت وأقره على عمله .

وفيها: عزل الحسن بن زيد عن المدينة ، واستعمل عليها عبد الله بن علي ، وجعل معه فليح بن سليمان مشرفا عليه .

وكان على مكة والطائف محمد بن إبراهيم ، وعلى الكوفة عمرو بن زهير ، وعلى البصرة الهيثم بن معاوية ، وعلى إفريقية يزيد بن حاتم ، وعلى مصر محمد بن سعيد . [ ص: 186 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية