الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فإن nindex.php?page=treesubj&link=24347أصاب أسفل الخف نجاسة فدلكه على الأرض نظرت فإن كانت نجاسة رطبة لم يجزه ، وإن كانت يابسة فقولان : قال في الجديد : لا يجوز حتى يغسله ; لأنه ملبوس نجس فلا يجزئ فيه المسح كالثوب .
وقال في الإملاء [ ص: 619 ] والقديم : يجوز لما روى nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=9812إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر نعليه فإن كان بهما خبث فليمسحه على الأرض ثم ليصل فيهما } ولأنه تتكرر فيه النجاسة فأجزأ فيه المسح كموضع الاستنجاء ) .
( فرع ) في مسائل تتعلق بالباب مختصرة جدا خشية الإطالة ، وفرارا من السآمة والملالة .
( إحداها ) : أن nindex.php?page=treesubj&link=613_1336إزالة النجاسة التي لم يعص بالتلطخ بها في بدنه ليس على الفور ، وإنما تجب عند إرادة الصلاة ونحوها لكن يستحب تعجيل إزالتها .
( الثانية ) : nindex.php?page=treesubj&link=614_25296إذا نجس الزيت والسمن والشيرج وسائر الأدهان ، فهل يمكن تطهيره ؟ فيه وجهان مشهوران ، وقد ذكرهما المصنف في باب ما يجوز بيعه ( أصحهما ) عند الأكثرين : لا يطهر بالغسل ولا بغيره لقوله صلى الله عليه وسلم في الفأرة تقع في السمن : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12022إن كان مائعا فلا تقربوه } ولم يقل اغسلوه ، ولو جاز الغسل لبينه لهم ، وقياسا على الدبس والخل وغيرهما من المائعات إذا تنجست فإنه لا طريق إلى تطهيرها بلا خلاف ( والثاني ) : يطهر بالغسل بأن يجعل في إناء ويصب عليه الماء ويكاثر به ويحرك بخشبة ونحوها تحريكا يغلب على الظن أنه وصل إلى أجزائه ثم يترك حتى يعلو الدهن ثم يفتح أسفل الإناء فيخرج الماء ويطهر الدهن ، وهذا الوجه قول ابن سريج ورجحه صاحب العدة ، وقال البغوي وغيره : ليس هو بصحيح ، وقال صاحب العدة : لا يطهر السمن بالغسل قطعا ، وفي غيره الوجهان ، والمشهور أنه لا فرق .
أما الزئبق فقال المحاملي في اللباب وصاحب التهذيب وغيرهما : إن أصابته نجاسة ولم يتقطع بعد إصابتها طهر بصب الماء عليه ، وإن تقطع فهو كالدهن ولا يمكن تطهير على الأصح .
[ ص: 621 ] الثالثة ) : إذا nindex.php?page=treesubj&link=24735_25296أصابت النجاسة شيئا صقيلا كالسيف والسكين والمرآة ونحوها لم تطهر بالمسح ولا تطهر إلا بالغسل كغيرها ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : تطهر بالمسح .
( الرابعة ) : إذا nindex.php?page=treesubj&link=24735_25296سقيت السكين ماء نجسا ثم غسلها طهر ظاهرها وهل يطهر باطنها بمجرد الغسل ؟ أم لا يطهر حتى يسقيه مرة ثانية بماء طهور يورده عليها ؟ فيه وجهان حكاهما صاحب البيان وآخرون ; ولو طبخ لحم بماء نجس صار باطنه وظاهره نجسا ، وفي كيفية طهارته وجهان : ( أحدهما ) : يغسل ثم يعصر كالبساط ، ( والثاني ) : يشترط أن يغلى مرة أخرى بماء طهور ، وقطع nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين في مسألتي السكين واللحم بأنه يجب سقيها وإغلاؤها ، واختار الشاشي أن الغسل كاف فيهما ، وهو المنصوص قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله في الأم في كتاب صلاة الخوف : لو أحمى حديدة ، ثم صب عليها سما أو غسلها فيه فشربته ; ثم غسلت بالماء طهرت ; لأن الطهارات كلها إنما جعلت على ما يظهر فيه ليس على الأجواف .
هذا نصه بحروفه .
قال المتولي : وإذا غسل السكين طهر ظاهره دون باطنه ، ويجوز استعماله في الأشياء الرطبة كما يجوز في اليابسة لكن لا تصح الصلاة وهو حامله ، وإنما جاز استعماله في الرطب مع قولنا بنجاسة باطنه ; لأن الرطوبة لا تصل باطنه ; إذ لو وصلت لطهرت بالماء .
( الخامسة ) : قال صاحب التتمة وغيره : للماء قوة عند الورود على النجاسة ، فلا ينجس بملاقاتها بل يبقى مطهرا ، فلو صبه على موضع النجاسة من الثوب ، فانتشرت الرطوبة في الثوب لا يحكم بنجاسة موضع الرطوبة ، ولو صب في إناء نجس ولم يتغير بالنجاسة فهو طهور ، فإذا أداره على جوانبه طهرت الجوانب كلها ، هذا كله قبل الانفصال قال : فلو nindex.php?page=treesubj&link=25491_468انفصل الماء متغيرا ، وقد زالت النجاسة عن المحل فالماء نجس ، وفي المحل وجهان ( أحدهما ) أنه طاهر لانتقال النجاسة إلى الماء ( والثاني ) : وهو الصحيح : أن المحل نجس أيضا ; لأن الماء المنفصل نجس وقد بقيت منه أجزاء في المحل قال : ولو وقع بول على ثوب فغسل بماء موزون فانفصل زائد الوزن فالزيادة بول ، والماء نجس كما لو تغير ، وفي طهارة المحل الوجهان الصحيح لا يطهر قلت : وقد [ ص: 622 ] سبق في المياه وجه شاذ أن هذا الماء طاهر مع زيادة الوزن ، وليس بشيء فالمذهب نجاسته .
( السادسة ) : قال أصحابنا : إذا nindex.php?page=treesubj&link=614_536_608اختلطت العذرة أو الروث وغيرهما من الأعيان النجسة بتراب نجس ولم يتميز لم يطهر بصب الماء عليها ; لأن العين النجسة لا تطهر بالغسل وطريقه أن يزال التراب الذي وصلته أو يطرح عليه تراب طاهر يغطيه والأول أولى .
قال صاحب الشامل وغيره : لو طين على النجاسة أو طرح عليها ترابا طاهرا وصلى عليه جاز ، لكن تكره الصلاة ; لأنه مدفن النجاسة ، وكذا لو دفن ميتة ، وسوى فوقها الطاهر تصح الصلاة عليه وتكره .
( السابعة ) : ما ذكر صاحب التتمة بعد أن ذكر الوجهين في مسألة ابن القاص السابقة وهي : إذا غسل نصف الثوب ثم عاد فغسل نصفه قال : لو nindex.php?page=treesubj&link=608_25645غسل الثوب عن النجاسة ثم وقعت عليه نجاسة عقب فراغه من غسله ، هل يجب عليه غسل جميع الثوب ؟ أم يكفي غسل موضع النجاسة ؟ فيه هذان الوجهان ، قلت والصحيح أنه يكفي غسل موضعها ، وهو الموافق للدليل ولما ذكره الأصحاب هناك .
قال : nindex.php?page=treesubj&link=517_608_484ولو خرز الخف بشعر خنزير رطب صار نجسا ، فإذا غسله هل يطهر ظاهره ؟ فيه هذان الوجهان ( أحدهما ) : لا يطهر ; لأن الذي يتخلل ثقب الخف من الخيط نجس لملاصقته الشعر مع الرطوبة فإذا غسل ظاهره اتصلت الرطوبة بالموضع النجس ، ولا ينفذ الماء فيه ليطهر الجميع فيعود المغسول نجسا ( والثاني ) : يطهر فيجوز أن يصلي عليه لا فيه ، ولو عرقت رجله فيه أو أدخلها فيه رطبة لم ينجس ولا تتعدى النجاسة من الخرز الذي في ثقب الخف إلى المغسول وكان nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين يختار هذا الوجه .
( الثامنة ) : nindex.php?page=treesubj&link=608_463_25491_466_25645صب الماء على ثوب نجس وعصره في إناء وهو متغير ثم صب عليه ماء آخر وعصره فخرج متغيرا ثم جمع الماءين فزال التغير ، ولم يبلغ قلتين فهو نجس هذا هو الصواب ، وبه قطع الجمهور ، وحكى صاحب المستظهري وجها أنه طاهر ، وليس بشيء .
[ ص: 623 ] التاسعة ) : قال nindex.php?page=showalam&ids=14048الشيخ أبو محمد الجويني في كتاب التبصرة في الوسوسة : nindex.php?page=treesubj&link=25645إذا غسل فمه النجس فليبالغ في الغرغرة ليغسل كل ما هو في حد الظاهر ولا يبتلع طعاما ولا شرابا قبل غسله لئلا يكون أكل نجاسة .
( الحادية عشرة ) : لو nindex.php?page=treesubj&link=592_25645_608صبغ يده بصبغ نجس أو خضب يده أو شعره بحناء نجس بأن خلط ببول أو خمر أو دم وغسله فزالت العين وبقي اللون فهو طاهر ، هذا هو الصحيح .
وبه قطع الأكثرون منهم البغوي ، ونقله المتولي عن عامة الأصحاب قال : وقال الأستاذ أبو إسحاق : لا يطهر مع بقاء اللون ، وقال صاحب الحاوي : إن بقي لون النجاسة فنجس ، وإن بقي لون الخضاب فوجهان ، ونقل صاحب المستظهري هذا عن الحاوي ثم ضعفه ، وقال هذا عجيب واعتبار زوال اللون لا معنى له قال : وقد نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - في موضع آخر أنه يطهر بالغسل مع بقاء اللون والمذهب ما سبق وهو الجزم بالطهارة .
قال صاحب الحاوي : فإن قلنا : لا يطهر فإن كان الخضاب على شعر كاللحية لم يلزمه حلقه ، بل يصلي فيه ويتركه حتى ينصل ; لأنه ينصل عن قرب فإذا نصل أعاد الصلوات ، وإن كان على بدن ، وهو مما ينصل كالحناء انتظر فصوله ثم يعيد ما صلى معه ، فإن كان مما لا ينصل كالوشم فإن أمن التلف في إزالته لزمه كشطه ; لأنه ليس له أمد ينتظر بخلاف الحناء ، وإن خاف التلف فإن كان غيره أكرهه تركه بحاله ، وإن كان هو الذي فعله فوجهان كما لو صلى بعظم نجس والله أعلم .
( فرع ) في nindex.php?page=treesubj&link=24777استعمال النجاسات في البدن وغيره خلاف وتفصيل نوضحه إن شاء الله - تعالى - في باب ما يكره لبسه .
( الثانية عشرة ) : إذا nindex.php?page=treesubj&link=442_461_448توضأ إنسان في طست ثم صب ذلك الماء في بئر فيها ماء كثير لم يفسد الماء ، ولم يجب نزح شيء منه عندنا وعند جماهير العلماء .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : يجب نزح جميعها ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد : ينزح منه عشرون دلوا .
[ ص: 624 ] الثالثة عشرة ) nindex.php?page=treesubj&link=608_25296 : لا يشترط في غسل النجاسة فعل مكلف ولا غيره بل يكفي ورود الماء عليها وإزالة العين ، سواء حصل ذلك بغسل مكلف أو مجنون أو صبي أو إلقاء الريح أو نحوها أو بنزول المطر عليه أو مرور السيل أو غيره ، نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم ، واتفق عليه لكن يجيء فيه الوجه السابق في اشتراط النية في إزالة النجاسة ، لكنه وجه باطل مخالف للإجماع كما سبق ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : فلو وقع البول ونحوه على أرض فقلع التراب الذي أصابه - فإن استظهر حتى علم أنه لم ينزل البول عن ذلك - كان الموضع طاهرا ، وإلا فلا والله أعلم .