الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة سبع وخمسين ومائة

فمن الحوادث فيها أن المنصور حول الأسواق من مدينة السلام إلى باب الكرخ وغيره من المواضع .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا أحمد بن علي الخطيب ، قال:

أخبرنا محمد بن الحسين القطان ، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، قال:

حدثنا يعقوب بن سفيان ، قال:

سنة سبع وخمسين ومائة نقل أبو جعفر الأسواق من المدينة الشرقية إلى باب الكرخ وباب الشعير والمحول ، وفي السوق التي تعرف بالكرخ ، وأمر ببنائها من ماله على يدي الربيع مولاه .

وفيها: وسع طرق المدينة وأرباضها ، ووضعها على مقدار أربعين ذراعا ، وأمر بهدم ما شخص من الدور غير ذلك القدر .

أخبرنا عبد الرحمن ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرني أبو القاسم الأزهري ، قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن ، قال: أخبرنا ابن عرفة ، قال:

لما دخلت سنة سبع وخمسين وكان أبو جعفر قد ولى الحسبة يحيى بن زكريا [ ص: 194 ] فاستغوى العامة وزين لهم الجموع ، فقتله أبو جعفر بباب الذهب ، وحول أسواق المدينة إلى باب الكرخ وباب الشعير وباب المحول ، وأمر ببناء الأسواق على يد الربيع .

أخبرنا عبد الرحمن ، قال: أخبرنا أحمد بن علي ، قال: أخبرنا محمد بن علي الوراق ، وأحمد بن علي المحتسب ، قالا: أخبرنا محمد بن جعفر النحوي ، قال:

حدثنا الحسن بن محمد السكوني ، قال: قال محمد بن خلف: قال الخوارزمي ، يعني محمد بن موسى :

وحول أبو جعفر الأسواق إلى الكرخ وبناها من ماله بعد مائة سنة وست وخمسين ، وخمسة أشهر وعشرين يوما ، ثم بدأ بعد ذلك في بناء قصر الخلد على شاطئ دجلة بعد شهر وأحد عشر يوما .

قال محمد بن خلف : وأخبرني الحارث بن أبي أسامة ، قال: لما فرغ المنصور من مدينة السلام ، وصير الأسواق في طاقات مدينته من كل جانب ، قدم عليه وفد ملك الروم ، فأمر أن يطاف بهم في المدينة ، ثم دعاهم فقال للبطريق: كيف رأيت هذه المدينة؟ قال: رأيت أمرها كاملا إلا في خلة واحدة ، قال: وما هي؟ قال: عدوك يخترقها متى شاء وأنت لا تعلم ، وأخبارك مبثوثة في الآفاق ، لا يمكنك سترها ، قال:

كيف؟ قال: الأسواق فيها ، والأسواق غير ممنوع منها أحد ، فيدخل العدو كأنه يريد أن يتسوق ، وأما التجار فإنها ترد الآفاق فيتحدثون بأخبارك ، قال: فزعموا أن المنصور حينئذ أمر بإخراج الأسواق من المدينة إلى الكرخ ، وأن يبنى ما بين الصراة إلى نهر عيسى ، وولى ذلك محمد بن حبيش الكاتب ، ودعا المنصور بثوب واسع فحد فيه الأسواق ، ورتب كل صنف منها في موضعه ، وقال اجعلوا سوق القصابين في آخر الأسواق ، فإنهم سفهاء وفي أيديهم الحديد القاطع ، ثم أمر أن يبنى لأهل الأسواق مسجد يجتمعون فيه يوم الجمعة لا يدخلون المدينة ، ويفرد لهم ذلك ، وقلد ذلك رجلا [ ص: 195 ] يقال له: الوضاح [بن شبا] . فبنى القصر الذي يقال له قصر الوضاح والمسجد فيه ، وسميت الشرقية لأنها في شرقي الصراة ، ولم يضع المنصور على الأسواق غلة حتى مات ، فلما استخلف المهدي أشار عليه أبو عبيد الله بذلك ، وأمر فوضع على الحوانيت الخراج ، وولى ذلك سعيد الحرسي سنة سبع وستين ومائة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا [أبو بكر أحمد بن علي] الخطيب ، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن محمد المروزي ، قال: حدثنا أبو إسحاق محمد بن هارون الهاشمي ، قال: حدثنا حميد بن الصباح ، مولى المنصور ، قال: حدثني أبي ، قال:

أراد المنصور أن يذرع الكرخ ، فقال لي: احمل الذراع معك ، فخرج وخرجت معه ونسيت أن أحمل الذراع ، فلما صرنا بباب الشرقية قال لي: أين الذراع؟ فدهشت وقلت: نسيته يا أمير المؤمنين ، فضربني بالمقرعة فشجني وسال الدم على وجهي ، فلما رآني قال: أنت حر لوجه الله .

حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ضرب عبده في غير حد حتى يسيل دمه فكفارته عتقه" .

وفيها: ولى المنصور جعفر بن سليمان على البحرين فلم تتم ولايته ، ووجه مكانه سعيد بن دعلج أميرا ، فبعث سعيد ابنه تميما .

وفيها: عرض المنصور جنده في السلاح والخيل في مجلس اتخذه على شط دجلة دون قطربل ، وأمر أهل بيته وصحابته يومئذ بلبس السلاح ، وخرج هو وهو لابس درعا وقلنسوة تحت البيضة سوداء لاطئة مضربة .

وفيها: عقد المنصور الجسر بباب الشعير .

[وفيها] : عزل محمد بن سليمان الكاتب عن مصر ، واستعمل عليها مولى للمنصور . [ ص: 196 ]

وفيها: ولى معبد بن الخليل السند وعزل عنها هشام بن عمرو ، ومعبد يومئذ بخراسان كتب إليه .

وغزا الصائفة يزيد بن أسيد السلمي في هذه السنة . وقيل: إنما غزاها زفر بن عاصم ، والله أعلم .

وفيها: حج بالناس [إبراهيم] بن يحيى بن محمد ، وهو كان على المدينة ، وقيل: إنما كان على المدينة عبد الصمد بن علي ، وكان على مكة والطائف قثم ، وعلى الأهواز وفارس عمارة بن حمزة ، وعلى كرمان والسند معبد بن الخليل ، وعلى مصر مطر مولى المنصور رحمه الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية