الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون . أظهر الأقوال عندي في هذه الآية الكريمة أن الزبور الذي هو الكتاب يراد به جنس الكتاب فيشمل الكتب المنزلة ، كالتوراة ، والإنجيل ، وزبور داود ، وغير ذلك . وأن المراد بالذكر : أم الكتاب ، وعليه فالمعنى : ولقد كتبنا في الكتب المنزلة على الأنبياء أن الأرض يرثها عبادي الصالحون بعد أن كتبنا ذلك في أم الكتاب . وهذا المعنى واضح لا إشكال فيه . وقيل : الزبور في الآية زبور داود ، والذكر : التوراة . وقيل غير ذلك . وأظهرها هو ما ذكرنا واختاره غير واحد .

                                                                                                                                                                                                                                      واعلم أنا قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية قد يكون فيها قولان للعلماء ، وكلاهما حق ويشهد له قرآن فنذكر الجميع ؛ لأنه كله حق داخل في الآية ، ومن ذلك هذه الآية الكريمة ؛ لأن المراد بالأرض في قوله هنا : أن الأرض يرثها عبادي الصالحون [ 21 \ 105 ] فيه للعلماء وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 250 ] الأول : أنها أرض الجنة يورثها الله يوم القيامة عباده الصالحين . وهذا القول يدل له قوله تعالى : وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين [ 39 ] وقد قدمنا معنى إيراثهم الجنة مستوفى في سورة " مريم " .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : أن المراد بالأرض أرض العدو ، يورثها الله المؤمنين في الدنيا ، ويدل لهذا قوله تعالى : وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا [ 33 \ 27 ] وقوله : وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها الآية [ 7 \ 137 ] وقوله تعالى : قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين [ 7 \ 128 ] وقوله تعالى : وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم الآية [ 24 ] وقوله تعالى : فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم [ 14 \ 13 - 14 ] إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ هذا الحرف عامة القراء غير حمزة في الزبور بفتح الزاي ومعناه الكتاب . وقرأ حمزة وحده ( في الزبور ) بضم الزاي . قال القرطبي : وعلى قراءة حمزة فهو جمع زبر . والظاهر أنه يريد الزبر - بالكسر - بمعنى الزبور أي : المكتوب . وعليه فمعنى قراءة حمزة : ولقد كتبنا في الكتب ، وهي تؤيد أن المراد بالزبور على قراءة الفتح جنس الكتب لا خصوص زبور داود كما بينا . وقرأ حمزة " يرثها عبادي " بإسكان الياء ، والباقون بفتحها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية