الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل : من كان يريد العزة فلله العزة جميعا فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : يعني بالعزة المنعة فيتعزز بطاعة الله تعالى ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : علم العزة لمن هي ، فلله العزة جميعا . وقيل إن سبب نزول هذه الآية ما رواه الحسن أن المشركين عبدوا الأوثان لتعزهم كما وصف الله تعالى عنهم في قوله : واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا فأنزل الله تعالى : من كان يريد العزة فلله العزة جميعا

                                                                                                                                                                                                                                        إليه يصعد الكلم الطيب فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنه التوحيد ، قاله يحيى بن سلام .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : الثناء على من في الأرض من صالح المؤمنين يصعد به الملائكة المقربون ، حكاه النقاش .

                                                                                                                                                                                                                                        والعمل الصالح يرفعه فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنه أداء الفرائض .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه فعل القرب كلها . وفي قوله : يرفعه ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أن العمل الصالح يرفعه الكلام الطيب ، قاله الحسن ، ويحيى بن سلام .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أن العمل الصالح يرفع الكلام الطيب ، قاله الضحاك وسعيد بن جبير .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أن العمل يرفعه الله بصاحبه ، قاله قتادة ، السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        والذين يمكرون السيئات يعني يشركون في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 465 ] لهم عذاب شديد يعني في الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                        ومكر أولئك هو يبور فيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : يفسد عند الله تعالى ، قاله يحيى بن سلام .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : يبطل ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : يهلك ، والبوار الهلاك ، قاله قطرب .

                                                                                                                                                                                                                                        وفي المراد : أولئك قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أهل الشرك .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أصحاب الربا ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل : والله خلقكم من تراب يعني آدم .

                                                                                                                                                                                                                                        ثم من نطفة يعني نسله .

                                                                                                                                                                                                                                        ثم جعلكم أزواجا فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أصنافا ، قاله الكلبي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : ذكرانا وإناثا ، والواحد الذي معه آخر من شكله زوج والاثنان زوجان ، قال الله تعالى : وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى [النجم : 45] وتأول قتادة قوله تعالى : ثم جعلكم أزواجا أي زوج بعضكم لبعض .

                                                                                                                                                                                                                                        وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه يعني بأمره .

                                                                                                                                                                                                                                        وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الآية . فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : ما نمد في عمر معمر حتى يصير هرما . ولا ينقص من عمر أحد حتى يموت طفلا إلا في كتاب .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : ما يعمر من معمر قدر الله تعالى مدة أجله إلا كان ما نقص منه بالأيام الماضية عليه في كتاب عند الله . قال سعيد بن جبير : هي صحيفة كتب الله تعالى في أولها أجله ، ثم كتب في أسفلها ذهب يوم كذا ويوم كذا حتى يأتي على أجله ، وبمثله قال أبو مالك ، والشعبي . وفي عمر المعمر ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : ستون سنة ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 466 ] الثاني : أربعون سنة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : ثماني عشرة سنة ، قاله أبو غالب .

                                                                                                                                                                                                                                        إن ذلك على الله يسير أي هين .

                                                                                                                                                                                                                                        ويحتمل وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أن إثبات ذلك على الله يسير .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أن زيادة عمر المعمر ونقصان عمر الآخر عند الله تعالى يسير . وللكلبي فيه ثالث : أن حفظ ذلك بغير كتاب على الله يسير .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية