الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (89) قوله تعالى : أجيبت دعوتكما : الضمير لموسى وهارون ، وفي التفسير : كان موسى يدعو وهارون يؤمن ، فنسب الدعاء إليهما . وقال بعضهم : المراد موسى وحده ، ولكن كنى عن الواحد بضمير الاثنين . وقرأ السلمي والضحاك " دعواتكما " على الجمع . وقرأ ابن السميفع " قد أجبت دعوتكما " بتاء المتكلم وهو الباري تعالى ، و " دعوتكما " نصب على المفعول به . وقرأ الربيع " أجبت دعوتيكما " بتاء المتكلم أيضا . ودعوتيكما تثنية ، وهي تدل لمن قال : إن هارون شارك موسى في الدعاء .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ولا تتبعان قرأ العامة بتشديد التاء والنون ، وقرأ حفص بتخفيف النون مكسورة مع تشديد التاء وتخفيفها ، وللقراء في ذلك كلام مضطرب بالنسبة للنقل عنه . فأما قراءة العامة فـ " لا " فيها للنهي ولذلك أكد الفعل بعدها ، ويضعف أن تكون نافية لأن تأكيد المنفي ضعيف ، ولا ضرورة [ ص: 262 ] بنا إلى ادعائه ، وإن كان بعضهم قد ادعى ذلك في قوله : لا تصيبن الذين ظلموا لضرورة دعت إلى ذلك هناك ، وقد تقدم تحريره ودليله في موضعه ، وعلى الصحيح تكون هذه جملة نهي معطوفة على جملة أمر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قراءة حفص فـ " لا " تحتمل أن تكون للنفي وأن تكون للنهي . فإن كانت للنفي كانت النون نون رفع ، والجملة حينئذ فيها أوجه ، أحدها : أنها في موضع الحال أي : فاستقيما غير متبعين ، إلا أن هذا معترض بما قدمته غير مرة من أن المضارع المنفي بـ " لا " كالمثبت في كونه لا تباشره واو الحال ، إلا أن يقدر قبله مبتدأ فتكون الجملة اسمية أي : وأنتما لا تتبعان . والثاني : أنه نفي في معنى النهي كقوله تعالى : لا تعبدون إلا الله . الثالث : أنه خبر محض مستأنف لا تعلق له بما قبله ، والمعنى : أنهما أخبرا بأنهما لا يتبعان سبيل الذين لا يعلمون ، وإن كانت للنهي كانت النون للتوكيد ، وهي الخفيفة ، وهذا لا يراه سيبويه والكسائي ، أعني وقوع النون الخفيفة بعد الألف ، سواء كانت الألف ألف تثنية أو ألف فصل بين نون الإناث ونون التوكيد نحو : " هل تضربنان يا نسوة " . وقد أجاز يونس والفراء وقوع الخفيفة بعد الألف وعلى قولهما تتخرج القراءة . وقيل : أصلها التشديد وإنما خففت للثقل فيها كقولهم : " رب " في " رب " . وأما تشديد التاء وتخفيفها فلغتان من اتبع يتبع وتبع يتبع ، وقد تقدم هل هما بمعنى واحد أو مختلفان في المعنى ؟ وملخصه أن تبعه بشيء : خلفه ، واتبعه كذلك ، إلا أنه حاذاه في المشي ، وأتبعه : لحقه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية