الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1267 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          ومن كسر إناء فضة أو إناء ذهب فلا شيء عليه ، وقد أحسن لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وقد ذكرناه في " الوضوء " " والأطعمة " " والأشربة " وكذلك من كسر صليبا أو أهرق خمرا لمسلم ; أو لذمي .

                                                                                                                                                                                          وقال الحنفيون : إن أهرق خمرا لذمي مسلم فعليه قيمتها ، وإن أهرقها ذمي فعليه مثلها .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا باطل ، ولا قيمة للخمر ، وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعها وأمر [ ص: 447 ] بهرقها ، فما لا يحل بيعه ولا ملكه فلا ضمان فيه ، فإن قالوا : هي أموال أهل الذمة ؟ قلنا : كذبتم وما جعلها الله تعالى مذ حرمها مالا لأحد ، ولكن أخبرونا : أهي حلال لأهل الذمة أم هي حرام عليهم ؟ فإن قالوا : هي لهم حلال كفروا ; لأن الله تعالى قد أخبر فيما نعاه عليهم أنهم { لا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق } .

                                                                                                                                                                                          ولا يختلف مسلمان في أن دين الإسلام لازم للكفار لزومه للمسلمين ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوث إليهم كما بعث إلينا ، وأن طاعته فرض عليهم كما هي علينا ؟ فإن قالوا : بل هي عليهم حرام ؟ قلنا : صدقتم فمن أتلف مالا لا يحل تملكه فقد أحسن ولا شيء عليه ، واحتجوا برواية رويناها من طريق سفيان الثوري عن إبراهيم بن عبد الأعلى الجعفي عن سويد بن غفلة أن عمر بن الخطاب قيل له : عمالك يأخذون الخمر ، والخنازير في الخراج ؟ فقال له بلال : إنهم ليفعلون ؟ فقال عمر : لا تفعلوا ولوهم هم بيعها .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أبي عبيد عن كدام الأنصاري عن إسرائيل عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة أن بلالا قال لعمر بن الخطاب : إن عمالك يأخذون الخمر والخنازير في الخراج ؟ فقال : لا تأخذوها منهم ، ولكن ولوهم أنتم بيعها وخذوا أنتم من الثمن .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا لا حجة فيه ; لأن حديث سفيان - وهو الصحيح - ليس فيه ما زاد إسرائيل وإنما فيه " ولوهم بيعها " .

                                                                                                                                                                                          وهذا كقول الله تعالى : { نوله ما تولى } وإسرائيل ضعيف .

                                                                                                                                                                                          ثم لو صح فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          وإن من العجب أن يخالفوا عمر رضي الله عنه في تفريقه بين ذوي المحارم من المجوس ونهيه لهم عن الزمزمة ثم يقلدون هاهنا رواية ساقطة مخالفة للقرآن ، والسنن وإن كانت الخمر من أموالهم فإن الصليب والأصنام عندهم أجل من الخمر ، فيجب على هؤلاء القوم أن يضمنوا من كسر لهم صليبا أو صنما حتى يعيده سالما صحيحا وإلا فقد تناقضوا ؟ [ ص: 448 ] روينا من طريق أبي داود نا قتيبة بن سعيد نا الليث هو ابن سعد - عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح { عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة : إن الله حرم بيع الخمر ، والميتة ، والخنازير } ، فيا ليت شعري كيف يستحل مسلم أن يبيح ثمن بيع حرمه الله تعالى ؟ أم كيف يستحل مسلم أن يقول : إنها مال من أموال أهل الذمة تضمن لهم ؟ حاشا لله من هذا

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية