الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل في الوصايا المتعرضة للجذور والكعاب الجذر : كل مضروب في نفسه ، والحاصل من الضرب يسمى : مالا ومجذورا ومربعا .

                                                                                                                                                                        والكعب : كل ما ضرب في مثله ثم ضرب مبلغه فيه ، والحاصل من الضربين يسمى مكعبا ، فالواحد جذره وكعبه الواحد .

                                                                                                                                                                        والأعداد ضربان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : ما له جذر صحيح ينطق به ، كالأربعة ، جذرها اثنان ، والتسعة ، جذرها ثلاثة ، والمائة جذرها عشرة .

                                                                                                                                                                        والثاني : ما ليس له جذر ينطق به ، وإنما يستخرج جذره بالتقريب ، كالعشرة والعشرين ، ويقال له : الأصم .

                                                                                                                                                                        وكذلك من الأعداد ما له كعب ينطق به كالثمانية ، كعبها اثنان ، والسبعة والعشرين ، كعبها ثلاثة .

                                                                                                                                                                        ومنها ما ليس له كعب ينطق به ، كالعشرة والمائة ، وإنما يستخرج كعبه بالتقريب ، وقد يكون العدد منطوقا بجذره وكعبه كالأربعة والستين ، جذرها ثمانية ، وكعبها أربعة .

                                                                                                                                                                        وقد يكون أصم في الجذر دون الكعب ، كالسبعة والعشرين .

                                                                                                                                                                        [ ص: 249 ] أو في كعب دون الجذر ، كالأربعة والتسعة ، أو فيهما ، كالعشرة .

                                                                                                                                                                        إذا عرف ذلك ، فتعرض الوصية للجذر والكعب بفرض من وجوه .

                                                                                                                                                                        منها : الوصية بجذر المال .

                                                                                                                                                                        قال الأستاذ وأبو منصور : تفرض المسألة من عدد مجذور إذا أسقط منه جذره انقسم الباقي صحيحا على سهام الورثة .

                                                                                                                                                                        فإذا أوصى بجذر ماله وله ثلاثة بنين ، فإن جعلت المال تسعة ، فللموصى له ثلاثة ، والباقي للبنين ، لكل ابن سهمان .

                                                                                                                                                                        وإن جعلته ستة عشر ، فللموصى له أربعة ، والباقي للبنين ، لكل ابن أربعة .

                                                                                                                                                                        ولو أوصى بكعب ماله - والورثة هؤلاء - يجعل المال عددا مكعبا ، فإذا أسقط منه كعبه انقسم الباقي على سهام الورثة بلا كسر .

                                                                                                                                                                        فإن جعلت المال ثمانية ، فاثنان للموصى له ، والباقي للبنين .

                                                                                                                                                                        وإن جعلته سبعة وعشرين ، فثلاثة للموصى له ، والباقي للبنين .

                                                                                                                                                                        هذا كلام الأستاذ ، وتعجب الإمام من إرساله الكلام هكذا ، لاستحالة أن يكون الأمر في ذلك على التخيير ، والفرض كيف شاء الفارض ، فإن الأقدار تختلف باختلاف العدد المفروض .

                                                                                                                                                                        فإذا كان المال تسعة ، فالجذر ثلاثة .

                                                                                                                                                                        وإذا كان ستة عشر ، فالجذر أربعة .

                                                                                                                                                                        وفيه إشكال آخر ، وهو أن كل عدد مجذور ، إلا أن من الأعداد ما ينطق بجذره ، ومنها ما لا ينطق ، كما سبق ، وليس في اللفظ إلا جذر المال ، فلم حمل على مجذور صحيح ؟ ولم شرط أن ينقسم الباقي صحيحا على الورثة ؟ فإذا كلام الأستاذ على ما ذكره الإمام ، محمول على ما إذا قيد الموصي وصيته بما يقتضي الحمل على عدد معين من الأعداد المجذورة .

                                                                                                                                                                        فإذا قال : نزلوا مالي على أول مجذور صحيح إذا طرح جذره انقسم الباقي على سهام ورثتي بلا كسر ، تعين الحمل على الصورة المذكورة على تسعة ، وكانت الوصية بثلث المال .

                                                                                                                                                                        وإن عين مرتبة أخرى ، تعينت .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : فإن أطلق الوصية بالجذر ، ولم يقيد بشيء من ذلك ، لكن أراد بالجذر ما يريده الحساب ، فإن كان ماله مقدرا بكيل ، أو وزن ، أو ذرع ، كالأرض ، [ ص: 250 ] أو عدد ، كالجوز ، نزل عليه .

                                                                                                                                                                        ثم إن كان جذره مما ينطق به ، فذاك ، وإلا ، فالقدر المتيقن يسلم للموصى له ، والقدر المشكوك فيه ، يفصل أمره بالتراضي .

                                                                                                                                                                        وإن لم يكن المال مقدرا بشيء من ذلك ، كعبد وجارية ، قوم ودفع جذر القيمة إلى الموصى له .

                                                                                                                                                                        ومنها : الوصية بجذر النصيب .

                                                                                                                                                                        فلو أوصى وله ثلاثة بنين بجذر نصيب أحدهم ، قال الأستاذ : يجعل نصيب كل ابن عددا مجذورا ، ثم يجمع أنصباء البنين ، ويزاد عليها جذر نصيب أحدهم ، فما بلغ صحت منه القسمة .

                                                                                                                                                                        فإن جعلنا نصيب كل ابن واحدا ، فأنصباؤهم ثلاثة ، تزيد عليها واحدا ، تبلغ أربعة تصح منها القسمة .

                                                                                                                                                                        وإن جعلنا النصيب أربعة ، فأنصباؤهم اثنا عشر ، تزيد عليها اثنين ، تبلغ أربعة عشر تصح منها القسمة .

                                                                                                                                                                        ولو أوصى بجذري نصيب أحدهم ، وفرضنا النصيب أربعة ، فأنصباؤهم اثنا عشر ، تزيد عليها جذري النصيب ، تبلغ ستة عشر منها تصح القسمة .

                                                                                                                                                                        ولو أوصى بكعب نصيب أحدهم ، جعلنا النصيب مكعبا ، وجمعنا الأنصباء ، وزدنا عليها كعب نصيب .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : وليكن هذا الجواب فيما إذا تقيدت الوصية كما ذكرنا ، أو فيما إذا قال السائل : كيف يصور عدد تصح منه الوصية والميراث ؟ فيجاب بأنه يمكن فيه وجوه .

                                                                                                                                                                        منها : كيت وكيت .

                                                                                                                                                                        أما إذا أطلق الوصية بجذر النصيب ، فذكر فيه احتمالين .

                                                                                                                                                                        أظهرهما : أنه ينظر في حصة ابن من التركة ، فيؤخذ جذره منطوقا به أو أصم ، كما ذكرنا في جذر جميع المال ، فيزاد على مسألة الورثة .

                                                                                                                                                                        والثاني : أنه ينظر في نصيب كل واحد من سهام المسألة ، فيؤخذ جذره ، ويزاد على مسألة الورثة .

                                                                                                                                                                        وعلى هذا ، فنصيب كل ابن هنا واحد ، فيزاد على السهام الثلاثة واحد ، ويصير الحكم كما لو أوصى بنصيب أحدهم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 251 ] ومنها : الوصية بجذر النصيب وجذر المال معا ، فلو أوصى وله ثلاثة بنين بجذر نصيب أحدهم لزيد ، وأوصى لعمرو بجذر جميع المال ، فالمفهوم من كلام الأستاذ أن يقال : إذا كانت وصية زيد جذر نصيب ابن ، فنصيب كل ابن مال ، ثم يجعل المال أموالا لها جذور صحيحة .

                                                                                                                                                                        فإن شئت جعلتها أربعة أموال ، فتكون وصية عمرو جذرين ، كما أن جذر أربعة من العدد اثنان ، فتكون الوصيتان ثلاثة أجذار ، وتسقطها من المال ، يبقى أربعة أموال إلا ثلاثة أجذار تعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة أموال ، فتجبر وتقابل ، فأربعة أموال تعدل ثلاثة أموال وثلاثة أجذار ، تسقط الجنس بالجنس ، فمال يعدل ثلاثة أجذار ، فالجذر ثلاثة ، والمال تسعة ، وتقدير الكلام : مال يعدل ثلاثة أجذاره ، وحينئذ فالتركة ستة وثلاثون ؛ لأنها أربعة أموال ، ونصيب كل ابن تسعة ، يأخذ زيد جذر النصيب وهو ثلاثة ، وعمرو جذر المال وهو ستة ، يبقى سبعة وعشرون للبنين .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : وهذه المسألة وضعية ، وطريق تطبيقها على الفقه على ما سبق .

                                                                                                                                                                        ومنها : الوصية بالجذر والنصيب .

                                                                                                                                                                        فإذا أوصى وله ثلاثة بنين بمثل نصيب أحدهم لزيد ، ولعمرو بجذر المال ، يقدر كأن البنين أربعة وأوصى بجذر المال وحده ، وقد بان طريقه .

                                                                                                                                                                        ومنها : الوصية بالجزاء والنصيب مع استثناء الجذر منها .

                                                                                                                                                                        مثاله : أوصى وله ثلاثة بنين بثلث ماله إلا جذر جميع المال ، تدفع إلى الموصى له ثلث المال ، وتسترجع جذرا ، فيكون معك ثلثا مال وجذر تعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة ، فتجعل المال عددا له ثلث صحيح ، بشرط أن ينقسم ثلثاه مزيدا عليه جذره على ثلاثة ، وليكن ذلك ستة وثلاثين ، فتدفع ثلثها إلى الموصى له ، وتسترجع منه جذر المال وهو ستة ، يبقى عنده ستة ، فقد أخذ ثلث المال إلا جذر [ المال ] ، [ ص: 252 ] يبقى ثلاثون للبنين .

                                                                                                                                                                        ولو أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا جذر جميع المال ، فخذ مالا ، وأسقط منه نصيبا ، واسترجع من النصيب جذر المال ، يبقى مال وجذر إلا نصيبا تعدل أنصباء البنين ، فتجبر وتقابل ، فمال وجذر تعدل أربعة أنصباء ، فتجعل المال عددا مجذورا إذا زيد عليه جذره انقسم على أربعة ، وليكن ستة عشر ، إذا زيد عليه جذره كان عشرين ، إذا قسم على أربعة ، خرج من القسمة خمسة ، فإذا نقصت من النصيب جذر المال ، بقي واحد تدفعه إلى الموصى له ، يبقى خمسة عشر للبنين .

                                                                                                                                                                        ولو أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا جذر نصيب أحدهم ، فالنصيب عدد مجذور .

                                                                                                                                                                        فإن جعلته أربعة ، فالوصية اثنان ، والأنصباء اثنا عشر ، وجملة المال أربعة عشر ، إذا دفعت إلى الموصى له اثنين فقد أخذ مثل نصيب أحدهم إلا جذر نصيب أحدهم ، وإن جعلته تسعة ، فالأنصباء سبعة وعشرون ، والوصية ستة .

                                                                                                                                                                        ومنها : الوصية بالجذور المضافة إلى الجذور .

                                                                                                                                                                        مثاله : ثلاثة بنين ، أوصى لزيد بجذر نصيب أحدهم ، ولعمرو بجذر وصية زيد ، ولبكر بجذر وصية عمرو ، فاجعل وصية بكر ما شئت من الأعداد ، فإن جعلته اثنين ، فوصية عمرو أربعة ، ووصية زيد ستة عشر ، ونصيب كل ابن مائتان وستة وخمسون ، وجملة المال سبعمائة وتسعون .

                                                                                                                                                                        ومنها : الوصية الجامعة بين الجذر والتكملة .

                                                                                                                                                                        مثاله : أوصى بتكملة ثلث ماله بجذر نصيب أحدهم ، تجعل ثلث المال مالا وجذرا ، وتدفع المال إلى الموصى له ، يبقى جذره ، تزيده على ثلثي المال ، يبلغ مالين وثلاثة أجذار وذلك يعدل أنصباء البنين وهي ثلاثة أموال ، فتسقط مالين بمالين ، يبقى ثلاثة أجذار في معادلة مال ، فالجذر ثلاثة ، والمال تسعة ، فثلث المال [ ص: 253 ] اثنا عشر ، والوصية تسعة ، تسقطها من المال ، يبقى سبعة وعشرون للبنين ، وقد أخذ الموصى له ثلث المال إلا جذر نصيب أحدهم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية