الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة ستين ومائة

فمن الحوادث فيها خروج يوسف بن إبراهيم من خراسان منكرا هو ومن معه على رأيه على المهدي الحال التي هو بها وسيرته التي يسير بها ، واجتمع معه بشر كثير من الناس ، فتوجه إلى يزيد بن مزيد فاقتتلا حتى صارا إلى المعانقة ، فأسره يزيد وبعث به إلى المهدي ، وبعث معه من وجوه أصحابه بعده فلما انتهى بهم إلى النهروان حمل يوسف على بعير قد حول وجهه إلى ذنب البعير وأصحابه على بعير ، فأدخلوهم الرصافة على تلك الحال ، فأدخلوا على المهدي ، فأمر هرثمة بن أعين بقطع يدي يوسف ورجليه ، وضرب عنقه وأعناق أصحابه وصلبهم على جسر دجلة الأعلى مما يلي عسكر المهدي ، وإنما أمر هرثمة بقتله لأنه كان قتل أخا لهرثمة بخراسان .

وفيها: خلع عيسى بن موسى مما كان له من البيعة بعد المهدي وذلك أنه أحضر وجوه رؤساء الشيعة وألح عليه المهدي ، فرضي بالخلع والتسليم ، فخلع يوم الأربعاء لأربع بقين من المحرم بعد صلاة العصر وبايع للمهدي ولموسى من بعده يوم الخميس لثلاث بقين من المحرم وقت ارتفاع النهار ، ثم أذن المهدي لأهل بيته فأخذ بيعتهم لنفسه ولموسى بن المهدي من بعده ، ثم خرج إلى مسجد الجماعة بالرصافة ، فصعد المنبر وصعد موسى ، فقام دونه ، وقام عيسى على أول عتبة من المنبر ، فحمد الله ، وأثنى عليه - أعني المهدي - وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخبر بما أجمع عليه أهل بيته [ ص: 236 ] وشيعته وقواده وأنصاره من خلع عيسى وتصيير الأمر الذي كان عقد له في أعناق المسلمين لموسى ابن أمير المؤمنين لاختيارهم له ورضاهم به وأن عيسى قد خلع نفسه ، وحللهم مما كان له من البيعة في أعناقهم ، وأن ما كان له من ذلك فقد صار لموسى ابن أمير المؤمنين بعقد من أمير المؤمنين وأهل بيته وشيعته في ذلك ، وأن موسى عامل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، بأحسن السيرة ، وأعدلها ، وقرأ على عيسى كتاب ذكر الخلع ، فأقر بذلك وتتابع أهل بيت أمير المؤمنين والقواد يبايعون للمهدي ثم لموسى ، ويمسحون على أيديهما ، ثم نزل المهدي ووكل ببيعته من بقي من الخاصة والعامة خالد بن يزيد بن منصور ، وكتب على عيسى بخلعه كتاب ليكون حجة عليه ، وفيه: أنه قد نزل عما كان حقا له لموسى بن المهدي وأنه إن لم يف بذلك فكل زوجة هي عنده من يوم كتب هذا الكتاب أو يتزوجها طالق ثلاثا البتة إلى ثلاثين سنة ، وكل مملوك له عنده اليوم أو يملكه إلى ثلاثين سنة أحرار لوجه الله ، وكل مال له من نقد أو عرض أو أرض أو قليل أو كثير ويستفيده إلى ثلاثين سنة صدقة على المساكين ، وعليه من مدينة السلام المشي حافيا إلى بيت الله العتيق نذرا واجبا ثلاثين سنة ، وأشهد على نفسه بإقراره هذا مائة وثلاثين رجلا من بني هاشم والموالي والوزراء والقضاة ، وكتب في صفر سنة ستين وختم عليه عيسى بن موسى .

[وفي هذه السنة] : وصل عبد الملك بن شهاب المسمعي في خلق كثير من المطوعة وغيرهم إلى بلد الكفار فنصبوا عليها المجانيق وفتحوها عنوة ، وقتلوا أهلها واستشهد من المسلمين بضعة وعشرون رجلا ، وهاج البحر فلم يقدروا على ركوبه ، وأقاموا إلى أن سكن فأصابهم في أفواههم داء فمات منهم نحو من ألف رجل ، [ ص: 237 ] فيهم الربيع بن صبيح ، ثم انصرفوا وسبى منهم ابنة الملك .

[وفيها] : جعل أبان بن صدقة كاتبا للمهدي ووزيرا [له] .

[وفيها] : عزل أبو عون عن خراسان وولي مكانه معاذ بن مسلم .

[وفيها] : غزا ثمامة بن الوليد الصائفة ، وغزا الغمر بن العباس الخثعمي بحر الشام .

وفيها: رد المهدي إلى أبي بكرة من نسبهم في ثقيف إلى ولاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وألحقهم به ، وأخرج آل زياد من قريش والعرب ، وكان يقول ابن سمية الزانية ، ويقبح استلحاق معاوية زيادا .

وفيها: ولي المدينة - أعني قضاءها - عبد الله بن محمد بن عمران الطلحي .

وفيها: خرج عبد السلام بن هاشم [اليشكري] الخارجي ، وسيأتي خبر مقتله .

وفيها: عزل بسطام بن عمرو عن السند واستعمل عليها روح بن حاتم . [ ص: 238 ]

وفيها: حج المهدي بالناس واستخلف على مدينة السلام ابنه موسى ، وترك معه يزيد بن المنصور بأمر المهدي وزيرا له ومدبرا لأموره ، وخرج مع المهدي ابنه هارون وجماعة من أهل بيته ، فكان ممن شخص معه: يعقوب بن داود على منزلته التي كانت عنده فأتاه حين وافى مكة بالحسن بن إبراهيم بن عبد الله الذي استأمن له يعقوب ، فأحسن المهدي صلته وجائزته ، وأقطعه مالا من الصوافي بالحجاز .

التالي السابق


الخدمات العلمية