الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 54 ] باب

ذكر المد وموضعه في الحروف

اعلم أن نقاط بلدنا جرت عادتهم قديما وحديثا على أن جعلوا على حروف المد واللين الثلاثة - الألف والياء والواو - مطة بالحمراء ؛ دلالة على زيادة تمكينهن ، وذلك عند لقيهن الهمزات والحروف السواكن . فالألف نحو : بما أنزل إليك ، و " ما أنزل من قبلك " ، و خائفين ، و الضالين ، و العادين ، و من حاد الله ، وما أشبهه . والياء نحو : يا بني إسرائيل ، و يضيء ، و بريئون ، وما أشبهه . والواو نحو : قالوا ءامنا ، و قوا أنفسكم ، و ثلاثة قروء ، و أتحاجوني ، و تأمروني ، وما أشبهه .

ولا يجوز أن تجعل هذه المطة على الحرف المتحرك قبل حرف المد ، كما يفعل ذلك قوم من جهلة النقاط وأغبياء المعلمين ؛ لأن الصوت لا يمتد بمتحرك ، وإنما يمتد بالحروف الثلاثة ؛ لكونهن مع نداوتهن سواكن .

[ ص: 55 ] وكذا لا ينبغي أن يخالف بالمطة في الألف والياء والواو ، بل تجعل من فوقهن أبدا ، لكونها صوتا يهوي إلى الحلق ، ويخرج مائلا إلى الهمزات والسواكن قليلا ، وذلك من حيث كانت حروف المد أصواتا ينقطعن عند الهمزات ، وينتهي تمطيطهن إليهن ، ويتصلن أيضا بالسواكن ، فيلزم أن تقرب المطة في النقط من ذلك ؛ ليكون دليلا على أن انقطاع الصوت لحرف المد عنده .

وهذا إذا كان مرسوما في الخط ، ثابتا في الكتابة .

فإن كان محذوفا من ذلك لعلة ، أو كان حرفا زائدا ، صلة لهاء ضمير أو لميم جميع ، ففيه وجهان : أحدهما أن يرسم بالحمرة ، وتجعل المطة عليه . والثاني ألا يرسم ، وتجعل تلك المطة في موضعه ؛ دلالة على حذفه من الرسم ، وثباته في اللفظ . فالألف المحذوفة نحو : أولئك ، و " الملائكة " ، و " يأيها " ، و " يأولي " ، و هؤلاء ، وما أشبهه . والياء المحذوفة نحو " النبئين " ، و " به إن كنتم " ، و بتأويله إنا ، وما أشبهه . وكذا : الداع إذا ، و لئن أخرتن إلى ، و إن ترن أنا ، وما أشبهه ، على قراءة من أثبت الياء في ذلك ، وسوى بين المتصل والمنفصل في حروف المد . والواو المحذوفة نحو : فأووا إلى الكهف ، و " وإن تلوا أو تعرضوا " ، و ليسئوا وجوهكم ، على قراءة من قرأ ذلك كذلك . وكذا : آ[تا]كم [إن ربك] ، و عليكم أنفسكم ، على قراءة من ضم ميم [ ص: 56 ] الجمع ووصلها بواو ، ولم يميز بين المنفصل والمتصل في حروف المد . وكذلك : تأويله إلا الله ، و إذ جاءه أليس ، وما أشبه ذلك ، حيث وقع .

وعامة نقاط أهل العراق من السلف والخلف لا يجعلون في المصاحف علامة للسكون ولا للتشديد ولا للمد ، بل يعرون الحروف من ذلك كله . والفرق عندهم بين المشدد والمخفف جعل نقطة على الحرف المشدد ، وإعراء الحرف المخفف منها فقط .

وإذ كان سبب نقط المصاحف تصحيح القراءة وتحقيق الألفاظ بالحروف ، حتى يتلقى القرآن على ما نزل من عند الله تعالى ، وتلقي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونقل عن صحابته - رضوان الله عليهم - ، وأداه الأئمة - رحمهم الله تعالى - ؛ فسبيل كل حرف أن يوفى حقه بالنقط ، مما يستحقه من الحركة والسكون والشد والمد والهمز وغير ذلك ، ولا يخص ببعض ذلك دون كله . وبالله التوفيق .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية