الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 46 ] - 4 - المكي والمدني

تولي الأمم اهتمامها البالغ بالمحافظة على تراثها الفكري ومقومات حضارتها ، والأمة الإسلامية أحرزت قصب السبق في عنايتها بتراث الرسالة المحمدية التي شرفت به الإنسانية جمعاء ، لأنها ليست رسالة علم أو إصلاح يحدد الاهتمام بها مدى قبول العقل لها واستجابة الناس إليها ، وإنما هي -فوق زادها الفكري وأسسها الإصلاحية- دين يخامر الألباب ويمتزج بحبات القلوب ، فنجد أعلام الهدى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم يضبطون منازل القرآن آية آية ضبطا يحدد الزمان والمكان ، وهذا الضبط عماد قوي في تاريخ التشريع يستند إليه الباحث في معرفة أسلوب الدعوة ، وألوان الخطاب ، والتدرج في الأحكام والتكاليف ، ومما روي في ذلك ما قاله ابن مسعود رضي الله عنه : " والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت ؟ ولا نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت ؟ ولو أعلم أن أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه “ .

والدعوة إلى الله تحتاج إلى نهج خاص في أسلوبها إزاء كل فساد في العقيدة ، والتشريع والخلق والسلوك ، ولا تفرض تكاليفها إلا بعد تكوين النواة الصالحة لها وتربية اللبنات التي تأخذ على عاتقها القيام بها ، ولا تسن أسسها التشريعية ونظمها الاجتماعية إلا بعد طهارة القلب وتحديد الغاية حتى تكون الحياة على هدى من الله وبصيرة .

والذي يقرأ القرآن الكريم يجد للآيات المكية خصائص ليست للآيات المدنية في وقعها ومعانيها ، وإن كانت الثانية مبنية على الأولى في الأحكام والتشريع .

فحيث كان القوم في جاهلية تعمي وتصم ، يعبدون الأوثان ، ويشركون بالله ، وينكرون [ ص: 47 ] الوحي ، ويكذبون بيوم الدين ، وكانوا يقولون : أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون . ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر . وهم ألداء في الخصومة ، أهل مماراة ولجاجة في القول عن فصاحة وبيان ; حيث كان القوم كذلك نزل الوحي المكي قوارع زاجرة ، وشهبا منذرة ، وحججا قاطعة ، يحطم وثنيتهم في العقيدة ، ويدعوهم إلى توحيد الألوهية والربوبية ، ويهتك أستار فسادهم ، ويسفه أحلامهم ، ويقيم دلائل النبوة ، ويضرب الأمثلة للحياة الآخرة وما فيها من جنة ونار ، ويتحداهم -على فصاحتهم- بأن يأتوا بمثل القرآن ، ويسوق إليهم قصص المكذبين الغابرين عبرة وذكرى ، فتجد في مكي القرآن ألفاظا شديدة القرع على المسامع ، تقذف حروفها شرر الوعيد وألسنة العذاب ، فـ " كلا " الرادعة الزاجرة ، والصاخة والقارعة ، والغاشية والواقعة ، وألفاظ الهجاء في فواتح السور ، وآيات التحدي في ثناياها ، ومصير الأمم السابقة ، وإقامة الأدلة الكونية ، والبراهين العقلية - كل هذا نجده في خصائص القرآن المكي .

وحين تكونت الجماعة المؤمنة بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ، وامتحنت في عقيدتها بأذى المشركين فصبرت وهاجرت بدينها مؤثرة ما عند الله على متع الحياة -حين تكونت هذه الجماعة- نرى الآيات المدنية طويلة المقاطع ، تتناول أحكام الإسلام وحدوده ، وتدعو إلى الجهاد والاستشهاد في سبيل الله ، وتفصل أصول التشريع ، وتضع قواعد المجتمع ، وتحدد روابط الأسرة ، وصلات الأفراد ، وعلاقات الدول والأمم ، كما تفضح المنافقين وتكشف دخيلتهم ، وتجادل أهل الكتاب وتلجم أفواههم -وهذا هو الطابع العام للقرآن المدني .

[ ص: 48 ] عناية العلماء بالمكي والمدني وأمثلة ذلك وفوائده

وقد عنى العلماء بتحقيق المكي والمدني عناية فائقة ، فتتبعوا القرآن آية آية ، وسورة سورة ، لترتيبها وفق نزولها ، مراعين في ذلك الزمان والمكان والخطاب ، لا يكتفون بزمن النزول ، ولا بمكانه ، بل يجمعون بين الزمان والمكان والخطاب ، وهو تحديد دقيق يعطي للباحث المنصف صورة للتحقيق العلمي في علم المكي والمدني ، وهو شأن علمائنا في تناولهم لمباحث القرآن الأخرى .

إنه جهد كبير أن يتتبع الباحث منازل الوحي في جميع مراحله ، ويتناول آيات القرآن الكريم فيعين وقت نزولها ، ويحدد مكانه ، ويضم إلى ذلك الضوابط القياسية لأسلوب الخطاب فيها ، أهو من قبيل المكي أم من قبيل المدني ؟ مستعينا بموضوع السورة أو الآية ، أهو من الموضوعات التي ارتكزت عليها الدعوة الإسلامية في مكة أم من الموضوعات التي ارتكزت عليها الدعوة في المدينة ؟

وإذا اشتبه الأمر على الباحث لتوافر الدلائل المختلفة رجح بينها فجعل بعضها شبيها بما نزل في مكة ، وبعضها شبيها بما نزل في المدينة .

وإذا كانت الآيات نزلت في مكان ثم حملها أحد من الصحابة فور نزولها لإبلاغها في مكان آخر ضبط العلماء هذا كذلك ، فقالوا : ما حمل من مكة إلى المدينة ، وما حمل من المدينة إلى مكة .

قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري في كتاب " التنبيه على فضل علوم القرآن " : " من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته ، وترتيب ما نزل بمكة والمدينة ، وما نزل بمكة وحكمه مدني ، وما نزل بالمدينة وحكمه مكي ، وما نزل بمكة في أهل المدينة ، وما نزل بالمدينة في أهل مكة ، وما يشبه نزول المكي في المدني ، وما يشبه نزول المدني في المكي ، وما نزل بالجحفة ، وما نزل ببيت المقدس ، وما نزل بالطائف ، وما نزل بالحديبية ، وما نزل ليلا ، وما نزل نهارا ، وما نزل مشيعا ، وما نزل مفردا ، والآيات المدنيات من السور المكية ، والآيات [ ص: 49 ] المكيات في السور المدنية ، وما حمل من مكة إلى المدينة ، وما حمل من المدينة إلى مكة ، وما حمل من المدينة إلى أرض الحبشة ، وما نزل مجملا ، وما نزل مفسرا ، وما اختلفوا فيه ، فقال بعضهم مدني وبعضهم مكي ، فهذه خمسة وعشرون وجها من لم يعرفها ويميز بينها لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله تعالى “ .

وحرص العلماء على الدقة ، فرتبوا السور حسب منازلها سورة بعد سورة ، وقالوا سورة كذا نزلت بعد سورة كذا ، وازدادوا حرصا في الاستقصاء . ففرقوا بين ما نزل ليلا وما نزل نهارا ، وما نزل صيفا وما نزل شتاء ، وما نزل في الحضر وما نزل في السفر .

وأهم الأنواع التي يتدارسها العلماء في هذا المبحث :

1- ما نزل بمكة .

2- ما نزل بالمدينة .

3- ما اختلف فيه .

4- الآيات المكية في السور المدنية .

5- الآيات المدنية في السور المكية .

6- ما نزل بمكة وحكمه مدني .

7- ما نزل بالمدينة وحكمه مكي .

8- ما يشبه نزول المكي في المدني .

9- ما يشبه نزول المدني في المكي .

10- ما حمل من مكة إلى المدينة .

11- ما حمل من المدينة إلى مكة .

12- ما نزل ليلا وما نزل نهارا .

13- ما نزل صيفا وما نزل شتاء .

14- ما نزل في الحضر وما نزل في السفر .

[ ص: 50 ] فهذه أنواع أساسية ، يرتكز محورها على المكي والمدني ، ولذا سمي هذا بـ " علم المكي والمدني " .

أمثلة

1 ، 2 ، 3 - أقرب ما قيل في تعداد السور المكية والمدنية إلى الصحة ، أن المدني عشرون سورة :

1- البقرة . 2- آل عمران . 3- النساء .

4- المائدة . 5- الأنفال . 6- التوبة .

7- النور . 8- الأحزاب . 9- محمد .

10- الفتح . 11- الحجرات . 12- الحديد .

13- المجادلة . 14- الحشر . 15- الممتحنة .

16- الجمعة . 17- المنافقون . 18- الطلاق .

19- التحريم . 20- النصر .

2- وأن المختلف فيه اثنتا عشرة سورة :

1- الفاتحة . 2- الرعد . 3- الرحمن .

4- الصف . 5- التغابن . 6- التطفيف .

7- القدر . 8- البينة . 9- الزلزلة .

10- الإخلاص . 11- الفلق . 12- الناس .

3- وأن ما سوى ذلك مكي ، وهو اثنتان وثمانون سورة ، فيكون مجموع سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة .

4- الآيات المكية في السور المدنية : لا يقصد بوصف السورة بأنها مكية أو مدنية أنها بأجمعها كذلك ، فقد يكون في المكية بعض آيات مدنية ، وفي المدنية بعض آيات مكية ، ولكنه وصف أغلبي حسب أكثر آياتها ، ولذا يأتي في التسمية : سورة [ ص: 51 ] كذا مكية إلا آية كذا فإنها مدنية ، وسورة كذا مدنية إلا آية كذا فإنها مكية - كما نجد ذلك في المصاحف .

ومن أمثلة الآيات المكية في السور المدنية " سورة الأنفال " مدنية ، واستثنى منها كثير من العلماء قوله تعالى : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ، قال مقاتل في هذه الآية : نزلت بمكة ، وظاهرها كذلك ، لأنها تضمنت ما كان من المشركين في دار الندوة عند تآمرهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة ، واستثنى بعضهم كذلك : يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ، لما أخرجه البزار عن ابن عباس أنها نزلت لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

5- الآيات المدنية في السور المكية : ومن أمثلة الآيات المدنية في السور المكية " سورة الأنعام " قال ابن عباس : نزلت بمكة جملة واحدة . فهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون . و " سورة الحج " مكية سوى ثلاث آيات نزلت بالمدينة ، من أول قوله تعالى : هذان خصمان اختصموا في ربهم .

6- ما نزل بمكة وحكمه مدني : ويمثلون له بقوله تعالى : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير [ ص: 52 ] فإنها نزلت بمكة يوم الفتح ، وهي مدنية لأنها نزلت بعد الهجرة ، والخطاب فيها عام ، ومثل هذا لا يسميه العلماء مكيا ، كما لا يسمونه مدنيا على وجه التعيين ، بل يقولون فيه : ما نزل بمكة وحكمه مدني .

7- ما نزل بالمدينة وحكمه مكي ، ويمثلون له بسورة الممتحنة ، فإنها نزلت بالمدينة ، فهي مدنية باعتبار المكان ، ولكن الخطاب في ثناياها توجه إلى مشركي أهل مكة . . ومثل هذا صدر سورة " براءة " نزل بالمدينة ، والخطاب فيه لمشركي أهل مكة .

8- ما يشبه نزول المكي في المدني : ويعني العلماء به ما كان في السور المدنية من آيات جاء أسلوبها في خصائصه وطابعه العام على نمط السور المكية ، ومن أمثلته قوله تعالى في سورة الأنفال - وهي مدنية : وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فإن استعجال المشركين للعذاب كان بمكة .

9- ما يشبه نزول المدني في المكي : ويعني العلماء به ما يقابل النوع السابق ، ويمثلون له بقوله تعالى في سورة النجم : الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم . . قال السيوطي : فإن الفواحش كل ذنب فيه حد ، والكبائر كل ذنب عاقبته النار ، واللمم ما بين الحدين من الذنوب ، ولم يكن بمكة حد ولا نحوه .

10- ما حمل من مكة إلى المدينة : ومن أمثلته سورة سبح اسم ربك الأعلى ، أخرج البخاري عن البراء بن عازب قال : " أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : مصعب بن عمير ، وابن أم مكتوم ، فجعلا يقرئاننا القرآن . ثم جاء عمار وبلال وسعد ، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين . ثم جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به ، فما جاء حتى قرأت :

[ ص: 53 ] سبح اسم ربك الأعلى في سور مثلها " وهذا المعنى يصدق على كل ما حمله المهاجرون من القرآن وعلموه الأنصار .

11- ما حمل من المدينة إلى مكة : ومن أمثلته أول سورة " براءة " ، حيث أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر على الحج في العام التاسع . فلما نزل صدر سورة " براءة " حمله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب ليلحق بأبي بكر حتى يبلغ المشركين به . فأذن فيهم بالآيات وأبلغهم ألا يحج بعد العام مشرك .

12- ما نزل ليلا وما نزل نهارا : أكثر القرآن نزل نهارا ، أما ما نزل بالليل فقد تتبعه القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري واستخرج له أمثلة منها : أواخر آل عمران : أخرج ابن حبان في صحيحه ، وابن المنذر ، وابن مردويه وابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله عنها : أن بلالا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤذنه لصلاة الصبح فوجده يبكي ، فقال : يا رسول الله . . ما يبكيك ؟ قال : " وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل علي هذه الليلة " : إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب . . ثم قال : " ويل لمن قرأها ولم يتفكر " .

ومنها : آية الثلاثة الذين خلفوا ، ففي الصحيحين من حديث كعب : " فأنزل الله توبتنا حين بقي الثلث الأخير من الليل “ .

ومنها : أول سورة الفتح ، ففي البخاري من حديث عمر : " لقد نزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس " ، فقرأ : إنا فتحنا لك فتحا مبينا . .

[ ص: 54 ] 13- ما نزل صيفا وما نزل شتاء : ويمثل العلماء لما نزل صيفا بآية الكلالة التي في آخر سورة النساء ، ففي صحيح مسلم عن عمر : " ما راجعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شيء ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ في شيء ما أغلظ لي فيه ، حتى طعن بأصبعه في صدري وقال : " يا عمر ، ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء " ؟ .

ومن أمثلته الآيات التي نزلت في غزوة تبوك ، فإنها كانت في الصيف في شدة الحر كما في القرآن نفسه .

ويمثلون للشتائي بآيات حديث الإفك في سورة النور : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم . . . إلى قوله تعالى : لهم مغفرة ورزق كريم ، ففي الصحيح عن عائشة : " أنها نزلت في يوم شات " .

ومن أمثلته الآيات التي في غزوة الخندق من سورة الأحزاب حيث كانت في شدة البرد : أخرج البيهقي في " دلائل النبوة " عن حذيفة قال : " تفرق الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الأحزاب إلا اثني عشر رجلا ، فأتاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : " قم فانطلق إلى عسكر الأحزاب " ، قلت : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ما قمت لك إلا حياء ، من البرد ، فأنزل الله : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا . .

14- ما نزل في الحضر وما نزل في السفر : أكثر القرآن نزل في الحضر ، ولكن حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت عامرة بالجهاد والغزو في سبيل الله حيث يتنزل عليه [ ص: 55 ] الوحي في مسيره ، وقد ذكر السيوطي لما نزل في السفر كثيرا من الأمثلة . . منها أول سورة الأنفال ، نزلت ببدر عقب الواقعة ، كما أخرجه أحمد عن سعد ابن أبي وقاص - وقوله تعالى : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله 3 . . أخرج أحمد عن ثوبان أنها نزلت في بعض أسفاره -صلى الله عليه وسلم- وأول سورة الحج ، أخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين قال : " لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس اتقوا ربكم ، إن زلزلة الساعة شيء عظيم . . . إلى قوله تعالى : ولكن عذاب الله شديد . . أنزلت عليه هذه وهو في سفر . وسورة الفتح ، أخرج الحاكم وغيره عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا : " نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها " . "

التالي السابق


الخدمات العلمية