الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقال الإمام أبو محمد مكي في إبانته : ذكر اختلاف الأئمة المشهورين غير السبعة في سورة " الحمد " مما يوافق خط المصحف ويقرأ به ، ( قرأ ) إبراهيم بن أبي عبلة ( الحمد لله ) بضم اللام الأولى ، ( وقرأ ) الحسن البصري بكسر الدال وفيهما بعد في العربية ومجازهما الاتباع ، ( وقرأ ) أبو صالح ( مالك يوم الدين ) بألف والنصب على النداء ، وكذلك محمد بن السميفع اليماني وهي قراءة حسنة ، ( وقرأ ) أبو حيوة ( ملك ) بالنصب على النداء من غير ألف ، ( وقرأ ) علي بن أبي طالب ( ملك يوم ) فنصب اللام والكاف ونصب ( يوم ) فجعله فعلا ماضيا ، وروى عبد الوارث عن أبي عمرو ( ملك يوم الدين ) بإسكان اللام والخفض وهي منسوبة لعمر بن عبد العزيز ، ( وقرأ ) عمرو بن فائد الإسواري ( إياك نعبد وإياك ) بتخفيف الياء فيهما ، وقد كره ذلك بعض المتأخرين لموافقة لفظه لفظ إيا الشمس وهو ضياؤها ، ( وقرأ ) يحيى بن وثاب ( نستعين ) بكسر النون الأولى وهي لغة مشهورة حسنة ، ( وروى ) الخليل بن أحمد عن ابن كثير ( غير المغضوب ) بالنصب ونصبه حسن على الحال ، أو على الصفة ، ( وقرأ ) أيوب السختياني ( ولا الضألين ) بهمزة مفتوحة في موضع الألف وهو قليل في كلام العرب ، قال : فهذا كله موافق لخط المصحف والقراءة به لمن رواه عن الثقات جائزة لصحة وجهه في العربية وموافقته الخط إذا صح نقله .

                                                          ( قلت ) : كذا اقتصر على نسبة هذه القراءات لمن نسبها إليه ، وقد وافقهم عليها غيرهم وبقيت قراءات أخرى عن الأئمة المشهورين في الفاتحة توافق خط المصحف [ ص: 48 ] وحكمها حكم ما ذكر ذكرها الإمام الصالح الولي أبو الفضل الرازي في كتاب اللوامح له : وهي ( الحمد لله ) بنصب الدال ، ( عن ) زيد بن علي بن الحسين بن علي - رضي الله عنهم - ، ( وعن ) رؤبة بن العجاج وعن هارون بن موسى العتكي ووجها النصب على المصدر وترك فعله للشهرة ، ( وعن ) الحسن أيضا ، ( الحمد لله ) بفتح اللام إتباعا لنصب الدال وهي لغة بعض قيس وإمالة الألف من ( لله ) لقتيبة عن الكسائي ووجهها الكسرة بعد ، ( وعن ) أبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري ، ( رب العالمين ) بالرفع والنصب وحكاه عن العرب ووجهه أن النعوت إذا تتابعت وكثرت جازت المخالفة بينها فينصب بعضها بإضمار فعل ويرفع بعضها بإضمار المبتدأ ولا يجوز أن ترجع إلى الجر بعدما انصرفت عنه إلى الرفع والنصب ، ( وعن ) الكسائي في رواية سورة بن المبارك وقتيبة ( مالك يوم الدين ) بالإمالة ، ( وعن ) عاصم الجحدري ، ( مالك ) بالرفع والألف منونا ونصب ( يوم الدين ) بإضمار المبتدأ وإعمال مالك في يوم ، ( وعن ) عون بن أبي شداد العقيلي ( مالك ) بالألف والرفع مع الإضافة ورفعه بإضمار المبتدأ وهي أيضا عن أبي هريرة وأبي حيوة وعمر بن عبد العزيز ، ( وعن ) علي بن أبي طالب ( ملاك يوم الدين ) بتشديد اللام مع الخفض وليس ذلك بمخالف للرسم ، بل يحتمله تقديرا كما تحتمله قراءة ( مالك ) ، وعلى ذلك قراءة حمزة والكسائي ، ( علام الغيب ) وعن اليماني أيضا ( مليك يوم الدين ) بالياء وهي موافقة للرسم أيضا كتقدير الموافقة في جبريل وميكائيل بالياء والهمزة وكقراءة أبي عمرو ( وأكون من الصالحين ) بالواو ، ( وعن ) الفضل بن محمد الرقاشي ( أياك نعبد وأياك ) بفتح الهمزة فيهما ، وهي لغة ورواها سفيان الثوري عن علي أيضا ، ( وعن ) أبي عمرو في رواية عبد الله بن داود الخريبي إمالة الألف منهما ووجه ذلك الكسرة من قبل ، وعن بعض أهل مكة ( نعبد ) بإسكان الدال ووجهها التخفيف كقراءة أبي عمرو ( يأمركم ) بالإسكان ، وقيل : إنه عندهم رأس آية فنوى الوقف للسنة وحمل الوصل على الوقف ، وروى الأصمعي عن [ ص: 49 ] أبي عمرو ، ( الزراط ) بالزاي الخالصة وجاء أيضا عن حمزة ووجه ذلك أن حروف الصفير يبدل بعضها من بعض ، وهي موافقة للرسم كموافقة قراءة السين ، وعن عمر - رضي الله عنه - ، ( غير المغضوب ) بالرفع ، أي : هم غير المغضوب أو أولئك . وعن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ومسلم بن جندب وعيسى بن عمر الثقفي البصري وعبد الله بن يزيد القصير ( عليهم ) بضم الهاء ووصل الميم بالواو ، وعن الحسن وعمرو بن فائد ( عليهم ) بكسر الهاء ووصل الميم بالياء ، وعن ابن هرمز أيضا بضم الهاء والميم من غير صلة ، وعنه أيضا بكسر الهاء وضم الميم من غير صلة فهذه أربعة أوجه وفي المشهور ثلاثة فتصير سبعة ، وكلها لغات وذكر أبو الحسن الأخفش فيها ثلاث لغات أخرى لو قرئ بها لجاز ، وهي ضم الهاء وكسر الميم مع الصلة والثانية كذلك إلا أنه بغير صلة ، والثالثة بالكسر فيهما من غير صلة ولم يختلف عن أحد منهم في الإسكان وقفا .

                                                          ( قلت ) : وبقي منها روايات أخرى رويناها منها إمالة ( العالمين والرحمن ) بخلاف لقتيبة عن الكسائي ، ومنها إشباع الكسرة من ( ملك يوم الدين ) قبل الياء حتى تصير ياء ، وإشباع الضمة من ( نعبد وإياك ) حتى تصير واوا رواية كردم عن نافع ورواها أيضا الأهوازي عن ورش ولها وجه ومنها ، ( يعبد ) بالياء وضمها وفتح الباء على البناء للمفعول قراءة الحسن ، وهي مشكلة وتوجه على الاستعارة والالتفات .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية