الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          وأما إن قتل المرء عبدا لغيره ، أو أمة عمدا أو خطأ ، فقيمتهما ولا بد لسيدهما بالغة ما بلغت لما ذكرنا - وقد اختلف الناس في هذا - : فروينا عن حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن الشعبي أن عبدا قتل خطأ وكان ثمنه عشرة آلاف درهم فجعل سعيد بن العاص ديته أربعة آلاف .

                                                                                                                                                                                          وصح عن النخعي ، والشعبي ، قالا جميعا : لا يبلغ بدية العبد دية الحر .

                                                                                                                                                                                          ورويناه أيضا عن عطاء ، والحكم بن عتيبة ، وحماد بن أبي سليمان .

                                                                                                                                                                                          وبه يقول سفيان الثوري ، قال : ينقص منها الدرهم ونحوه ، وقال عطاء : لا يتجاوز به دية الحر ; وصح أيضا عن حماد بن أبي سليمان .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة ، وزفر ، ومحمد : إن كان عبدا فقيمته ما لم يبلغ عشرة آلاف درهم ، فإن بلغها أو تجاوزها بما قل أو كثر لم يغرم قاتله إلا عشرة آلاف درهم ، غير عشرة دراهم . [ ص: 456 ] وإن كانت أمة فقيمتها ما لم تبلغ خمسة آلاف درهم ، فإن بلغتها أو تجاوزتها بما قل أو كثر لم يغرم قاتلها إلا خمسة آلاف درهم غير خمسة دراهم - وقالت طائفة : يغرم القيمة بالغة ما بلغت .

                                                                                                                                                                                          روينا من طريق ابن أبي شيبة نا محمد بن بكر عن ابن جريج عن عبد الكريم عن علي بن أبي طالب : وابن مسعود ، وشريح ، قالوا : ثمنه ، وإن خالف دية الحر - وصح هذا أيضا عن سعيد بن المسيب ، والحسن ، وابن سيرين ، وإبراهيم النخعي أيضا ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، والزهري .

                                                                                                                                                                                          ورويناه أيضا عن عمر بن عبد العزيز ، وإياس بن معاوية ، وعطاء ، ومكحول ، وهو قول مالك ، وأبي يوسف ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبي سليمان ، وغيرهم .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة ففي غاية السقوط ; لأنه حد ما يسقط من ذلك بحد لا يحفظ عن أحد قبله ، وإنما هو من رأيه الفاسد .

                                                                                                                                                                                          وقال مقلدوه : ينقص من ذلك ما تقطع فيه اليد ؟ قلنا : ومن أين لكم هذا ؟ ثم قد تناقضتم فأسقطتم من دية المرأة خمسة دراهم ، وليس تقطع فيها اليد في قولكم ، فقد أبطلتم ما أصلتم من كثب .

                                                                                                                                                                                          ثم نقول لهم : وهلا نقصتم من الدية ما نقصتم من الأربعين درهما في جعل الآبق إذا كان يساويها ؟ وهلا نقصتم من الدية ما تجب فيه الزكاة ؟ وهل هذا إلا رأي زائف مجرد ؟ وكل قول لم يقم عليه دليل أصلا ، ولا كان له سلف فأولى قول بالاطراح .

                                                                                                                                                                                          ثم نظرنا في قول من قال : لا يبلغ بدية العبد دية الحر - : فوجدناه قولا فاسدا لا دليل عليه ، ثم هم يتناقضون ، فيقولون : فيمن قتل كلبا يساوي ألفي دينار : أنه يعطي ألفي دينار ، وإن عقر خنزيرا لذمي يساوي ألف دينار أدى إليه ألف دينار ، وإن قتل نصرانيا يجعل لله تعالى الولد وأم الولد : أنه يعطي فيه دية المسلم ؟ فيا للمسلمين أيبلغ كلب ، وخنزير ، ومن هو شر من الكلب ، والخنزير : دية المسلم ، ولا يبلغ بلال لو قتل قبل أن يعتق دية مسلم ؟ نعم ، ولا دية كافر يعبد الصليب ، وهو خير من كل مسلم على ظهر الأرض اليوم عند الله تعالى ، وعند أهل الإسلام .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 457 ] ثم قد تناقضوا فقالوا : من غصب عبدا فمات عنده وقيمته عشرة آلاف دينار أدى عشرة آلاف دينار فهل سمع بأسخف من هذا التناقض ؟ ثم قد جعلوا دية العبد عشرة آلاف درهم غير درهم أو غير عشرة دراهم فتجاوزوا بها دية الحرة المسلمة - وهذه وساوس يغني ذكرها عن تكلف الرد عليها .

                                                                                                                                                                                          وقد روي ما ذكرنا عن ابن مسعود ، وعلي ، وما نعلم لهم مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك فخالفوهما .

                                                                                                                                                                                          وقد جسر بعضهم فقال : قد أجمع على المقدار الذي ذكرنا واختلف فيما زاد ؟ فقلنا : كذبت وأفكت هذا سعيد بن العاص أمير الكوفة لعثمان رضي الله عنه وأمير المدينة ، ومكة لمعاوية ، لا يتجاوز بدية العبد أربعة آلاف درهم .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : والعبد ، والأمة مال ، فعلى متلفهما مثل ما تعدى فيه بالغا ما بلغ - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية