الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة إحدى وستين ومائة

فمن الحوادث فيها:

خروج حكيم المقنع بخراسان من قرية من قرى مرو ، وكان فيما ذكر يقول بتناسخ الأرواح ، فاستغوى بشرا كثيرا ، وسار إلى ما وراء النهر ، فوجه المهدي لقتاله عدة من قواده ، فيهم معاذ بن سالم وهو يومئذ على خراسان ، ومعه عقبة بن سالم ، وجبرئيل بن يحيى ، وليث مولى المهدي ، ثم أفرد المهدي لمحاربته سعيدا الحرشي ، وضم إليه هؤلاء القواد ، فابتدأ المقنع يجمع الطعام في قلعة بكش عدة للحصار .

وفيها: ظفر بشر بن محمد بن الأشعث الخزاعي بعبد الله بن مروان بالشام ، فقدم به على المهدي ولم يعرض له .

وفيها: غزا الصائفة ثمامة بن الوليد ، وخرج إلى الروم ، وأصيب من المسلمين عدة .

وفيها: أمر المهدي ببناء القصور بطريق مكة أوسع من القصور التي كان أبو العباس بناها من القادسية إلى زبالة ، وأمر بالزيادة في قصور أبي العباس ، وترك منازل أبي جعفر التي كان بناها على حالها ، وأمر باتخاذ المصانع في كل منهل ، وبتجديد الأميال والبرد ، وحفر الركايا مع المصانع ، وولى ذلك يقطين بن موسى ، فلم يزل ذلك إليه إلى سنة إحدى وسبعين ومائة ، وكان خليفة يقطين في ذلك أخوه أبو موسى . [ ص: 248 ]

وفيها: أمر المهدي بالزيادة في المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد الجامع بالبصرة ، فزيد في مقدمته مما يلي القبلة ، وعن يمينه مما يلي رحبة بني سليم ، وولى ذلك محمد بن سليمان ، وهو يومئذ والي البصرة .

وفيها: أمر المهدي بنزع المقاصير ، وتقصير المنابر وتصييرها إلى المقدار الذي عليه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم [اليوم] ، وكتب بذلك إلى الآفاق فعمل به .

وفيها: أمر المهدي يعقوب بن داود بتوجيه الأمناء في جميع الآفاق ففعل ، وكان لا ينفذ للمهدي كتاب إلى عامل فيجوز حتى يكتب يعقوب إلى ثقته وأمينه بإنفاذ ذلك .

وفيها: اتضعت منزلة أبي عبيد الله وزير المهدي ، وسبب ذلك أن الموالي كانوا يشنعون عليه عند المهدي ويحرضونه عليه ، ولما رأى أبو عبيد الله غلبة الموالي على المهدي ، وخلوتهم به ، ضم إلى المهدي رجالا من قبائل شتى من أهل الأدب والعلم وكانوا في صحابته ، ولم يكونوا ليدعوا الموالي يخلون به ، ولما تولى الربيع أمر البيعة للمهدي وقدم على أبي عبيدة ، فلم يتحرك له ولم يكرمه ولم يسأله كيف كان أمر البيعة ، فابتدأ الربيع يحدثه ، فقال: قد بلغنا نبأكم ، فخرج الربيع مجتهدا في أذى أبي عبيد الله ، فاتهم ابنه محمدا ببعض حرم المهدي ، حتى استحكمت الظنة عند المهدي بمحمد بن أبي عبيد الله ، فأمر فأحضر ، فقال: يا محمد ، اقرأ ، فاستعجمت عليه القراءة ، فقال: يا معاوية ، ألم تعلمني أن ابنك جامع للقرآن ، فقال: بلى ، ولكن فارقني منذ سنين فنسي ، فقال: قم فتقرب إلى الله تعالى بدمه . فذهب يقوم فوقع ، فقال العباس بن محمد: إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تعفي الشيخ ، ففعل ، وأمر به فضربت عنقه ، ثم اتهم المهدي أبا عبيد الله في نفسه فقال له الربيع ، قتلت ابنه وليس ينبغي أن [ ص: 249 ] يوثق به ، فأوحش المهدي منه واشتفى الربيع .

وروى القاسم بن الربيع قال: دخل الربيع على المهدي وأبو عبيد الله يعرض عليه كتبا ، فقال له أبو عبيد الله: مر هذا أن يتنحى - يعني الربيع - فقال له: تنح ، قال: لا أفعل قال: كأنك تراني بالعين الأولى ، قال: لا بل أراك بالعين التي أنت بها ، قال: فلم لا تتنحى إذ أمرتك ، قال: أنت ركن الإسلام ، وقد قتلت ابن هذا ، فلا آمن أن يكون معه حديدة يغتالك بها ، فقام المهدي مذعورا وأمر بتفتيشه فوجد بين جوربه وخفه سكينا ، فردت الأمور كلها إلى الربيع ، وعزل أبو عبيد الله ، وولي يعقوب بن داود مكانه ، وكان بلغ المهدي من قبل الربيع أن ابن أبي عبيد الله زنديق ، فأتي به ، فأقر بذلك ، فاستتيب فلم يتب ، فقتله وصلبه على باب أبي عبيد الله .

أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، عن أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي ، عن أبيه قال: حدثني أبو الحسين علي بن هشام قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد الكاتب المعروف بابن أبي عمر قال: حدثنا محمد بن محمد العتابي قال: حدثنا خالي أبو محمد قال: سمعت إبراهيم بن العباسي الصوفي يقول: حدثت عن المأمون ، عن الرشيد أنه سمع المهدي يقول: بعد زوال أبي عبيد الله عن الوزارة ، وتفويض الأمر إلى يعقوب بن داود ، ما رأيت أحزم ولا أفهم ولا أعف ولا أكفأ من أبي عبيد الله ، ولقد كنت أحبه وأجريه مجرى الوالد ، ومذ خدمني اجتهدت أن يدعوني إلى داره فيمتنع ويزعم أنه لا تتسع همته ولا نعمته لذلك فاعتل ، فكتب إلي باستعلاله ، وأنه على الركوب إلي عازم بعد يوم أو يومين ، فسابقته فركبت إليه وقلت: قد كنت أجتهد بك أن تدعوني فتأبى ، وقد جئتك جامعا للعيادة والتهنئة بالعافية والدعوة ، فقال: والله يا أمير المؤمنين:

ما لي طعام ولا غلمان ولا زي يصلح لدعوتك ، فقلت: قد فرغت لك من ذلك وتقدمت إلى غلماني بحمل الآلات والطعام ، وإنما أردت تشريفك والأنس بك ، وجاء الغلمان بالآلات وجلسنا فأكلنا وجعل يتحفني بالفاخر من الفرش والآنية والآلات التي في بيته هدية لي ، فأخذت أحسنها فازداد ابتهاجا ، فلما أردت الانصراف قال لي: أريد أن أبكي [ ص: 250 ] وأنا أتطير أن أبكي بعد انصراف أمير المؤمنين ، وأنا أستأذن في البكاء بحضرته ، وانحدرت دموعه بعد عقيب الكلام ، وبكى بكاء شديدا ، فقلت: يا هذا ، أنا أعلم فيك سخاء نسميه حسن تدبير ، فإن كان بك ما أهديته فهو مردود عليك . فحلف بأيمان عظيمة أنه ما بكى لذلك ، وقال: كيف أبكي على ما أسر به ، حيث جعلتني أهلا لقبوله ، قلت: فلم؟ قال: لم يبق مرتبة تنال إلا وقد نلتها وبلغتها بفضل أمير المؤمنين حتى انتهت بي الحال إلى أن يعودني أمير المؤمنين أو يهنئني بحال تورده أو يصير إلى دعوتي ، فلما كان اليوم جمع لي أمير المؤمنين ذلك ، فعلمت أني قد بلغت النهاية وأنه ليس بعدها إلا الانحطاط ، فبكيت لذلك فرققت له ، وعلمت فضله ، وقلت له: أما في أيامي فأنت آمن من ذاك ، واعتقدت أن لا أنكبه ، فلما رأى الربيع منزلته حسده ، فجد في السعاية إلي به ، والفساد بيننا ، والحيلة عليه ، إلى أن جرى في أمر ابنه وإقراره بالزندقة ما لم يسع معه إلا أن يقتل فقتله ، وخفت أن يكون قد استوحش لذلك ، فلم آمنه على نفسي ، فاحتجت إلى صرفه فصرفته ، وكان الأمر على ظنه من النقصان بعد التناهي .

وفيها : غزا الغمر بن العباس الخثعمي في البحر .

وفيها: ولي نصر بن محمد بن الأشعث السند مكان روح بن حاتم ، وشخص إليها ، ثم عزل وولي مكانه محمد بن سليمان ، فوجه إليها عبد الملك بن شهاب المسمعي ، وأبا نصر بن محمد على السند ، فرجع إلى عمله ، وإنما أقام بها عبد الملك ثمانية عشر يوما ورجع إلى البصرة .

وفيها استقضى المهدي عافية بن يزيد الأزدي ، فكان هو وابن علاثة يقضيان في عسكر المهدي بالرصافة ، وكان القاضي بالمدينة الشرقية عمر بن حبيب العدوي .

وفيها: عزل الفضل بن صالح عن الجزيرة واستعمل عليها عبد الصمد بن علي ، [ ص: 251 ] وولي يزيد بن منصور سواد الكوفة ، وحسان الشروي الموصل ، وبسطام بن عمر أذربيجان .

وفيها: صرف أبان بن صدقة عن هارون بن المهدي إلى موسى بن المهدي ، وجعل كاتبا له ووزيرا ، وجعل مكانه مع هارون يحيى بن خالد بن برمك .

وفيها: عزل محمد بن سليمان عن مصر في ذي الحجة ، ووليها سلمة بن رجاء .

وفيها: حج بالناس موسى بن المهدي وهو في عهد أبيه ، وكان عامل مكة والطائف والمدينة جعفر بن سليمان ، وعامل اليمن علي بن سليمان ، وكان على صلاة الكوفة وأحداثها إسحاق بن الصباح الكندي . وعلى سوادها يزيد بن منصور .

التالي السابق


الخدمات العلمية