الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل في بيع المريض بالمحاباة مع حدوث زيادة أو نقص أما الزيادة ، فالاعتبار في القدر الذي يصح فيه البيع بيوم البيع ، وزيادة المشتري غير محسوبة عليه .

                                                                                                                                                                        والاعتبار في القدر الذي يبطل فيه البيع ويبقى للورثة بيوم الموت ، ولا فرق بين أن تكون الزيادة بمجرد ارتفاع السوق أو بصفة تزيد في القيمة .

                                                                                                                                                                        فإذا باع عبدا قيمته عشرون بعشرة ، ثم بلغت قيمته أربعين ، وصححنا البيع في بعضه على ما بيناه في " تفريق الصفقة " ، فإن صححناه في بعضه بكل [ ص: 265 ] الثمن ، فللمشتري بالعشرة نصف العبد وهي قيمته يوم الشراء ، يبقى نصف العبد وقيمته يوم الموت عشرون ، يضمه إلى الثمن ، يبلغ ثلاثين ، فله من ذلك شيء بالمحاباة ، وشيء يتبع المحاباة بسبب زيادة القيمة غير محسوب عليه ، يبقى ثلاثون درهما إلا شيئين تعدل ضعف المحاباة وهو شيئان ، فتجبر وتقابل ، فثلاثون درهما تعدل أربعة أشياء ، فالشيء ربع الثلاثين وهو سبعة دراهم ونصف ، وهذا ما يجوز التبرع فيه وهو ثلاثة أثمان العبد يوم البيع ، فيضم إلى النصف الذي ملكه المشتري بالثمن ، فيحصل له بالثمن والتبرع سبعة أثمان العبد ، يبقى للورثة ثمنه وهو خمسة يوم الموت ، والثمن وهو عشرة ، وهما ضعف المحاباة .

                                                                                                                                                                        وإن صححنا البيع في بعضه بقسطه من الثمن ، فنقول : يصح البيع في شيء من العبد بنصف شيء من الثمن ، فتكون المحاباة بنصف شيء ، ويبطل البيع في عبد إلا شيء ، وقيمته عند الموت أربعون درهما إلا شيئين .

                                                                                                                                                                        وإنما استثنى شيئين ; لأن الاستثناء يزيد بحسب زيادة المستثنى منه ، فيضم إليه الثمن وهو نصف شيء ، يبقى أربعون إلا شيئا ونصف شيء ، وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو شيء ، فتجبر وتقابل ، أربعون تعدل شيئين ونصف شيء ، فالشيء خمسا الأربعين ، وهما ستة عشر ، وهي أربعة أخماس العبد يوم البيع ، فللمشتري أربعة أخماس العبد بأربعة أخماس الثمن وهي ثمانية ، فتكون المحاباة بثمانية ، وللورثة أربعة أخماس الثمن وهي ثمانية ، وخمس العبد وقيمته يوم الموت ثمانية ، فالمبلغ ستة عشر ضعف المحاباة ، ولا اعتبار بالزيادة الحادثة بعد موت المريض ، بل وجودها كعدمها .

                                                                                                                                                                        وأما النقص ، فإما أن يحدث في يد المشتري ، وإما في يد البائع المريض .

                                                                                                                                                                        القسم الأول : إذا حدث النقص في يد المشتري ، فإما أن يحدث قبل موت البائع ، وإما بعده .

                                                                                                                                                                        [ ص: 266 ] فالحالة الأولى : مثالها : أن يبيع عبدا قيمته عشرون بعشرة ، ثم تعود قيمته إلى عشرة ، ثم يموت البائع ، فإن صححنا البيع في بعض العبد بجميع الثمن ، قلنا : ملك المشتري نصف العبد بالعشرة ، ونضم نصفه الآخر يوم الموت وهو خمسة إلى الثمن ، يبلغ خمسة عشر ، للمشتري شيء من ذلك المحاباة ، وذلك الشيء محسوب عليه بشيئين ; لأن النقص بالقسط محسوب على المتبرع عليه ، فيبقى للورثة خمسة عشر إلا شيئا يعدل ضعف المحسوب عليه من المحاباة وهو أربعة أشياء ، فتجبر وتقابل ، فخمسة عشر تعدل خمسة أشياء ، فالشيء ثلاثة ، وهي ثلاثة أعشار العبد يوم الموت .

                                                                                                                                                                        وإذا انضم إليها النصف الذي ملكه بالثمن وهو خمسة يوم الموت ، كان المبلغ ثمانية وهي أربعة أخماس العبد يوم الموت ، فيصح البيع في أربعة أخماس العبد وهو ستة عشر بجميع الثمن وهو عشرة ، يبقى التبرع بستة ، وللورثة خمس العبد وهو درهمان ، والثمن وهو عشرة ، فالجملة اثنا عشر ضعف المحاباة .

                                                                                                                                                                        وإن صححنا البيع في بعضه بالقسط ، قلنا : يصح البيع في شيء من العبد بنصف شيء من الثمن ، ويبطل في عبد ناقص بشيء ، وقيمته يوم الموت عشرة إلا نصف شيء ، فتضم الحاصل من الثمن وهو نصف شيء إليه ، فيكون عشرة دراهم بلا استثناء ، وهي تعدل ضعف المحاباة ، وهي شيء ، فالشيء عشرة دراهم ، وهي نصف العبد يوم البيع ، فيصح البيع في نصفه وهو عشرة بنصف الثمن وهو خمسة فالمحاباة بخمسة دراهم ، وللورثة نصف العبد يوم الموت وهو خمسة ، ونصف الثمن وهو خمسة ، وجملتها ضعف المحاباة .

                                                                                                                                                                        وفقه هذه الحالة : أن ما صح فيه البيع ، فحصته من النقص محسوبة على المشتري ; لأنه مضمون عليه بالقبض .

                                                                                                                                                                        وما بطل فيه البيع ، فحصته من النقص غير مضمونة على المشتري ; لأنه أمانة في يده ; لأنه لم يتعد بإثبات اليد عليه ، ولا قبضه لمنفعة نفسه .

                                                                                                                                                                        واستدرك إمام الحرمين فقال : إن كان النقص بانخفاض السوق ، فهذا صحيح ; لأن نقص السوق لا يضمن باليد مع بقاء العين .

                                                                                                                                                                        فإن كان [ ص: 267 ] النقص في نفس العبد ، فيحتمل أن يقال : إنه مضمون على المشتري ; لأنه مقبوض على حكم البيع .

                                                                                                                                                                        حتى لو برأ المريض ، كان البيع لازما في الجميع .

                                                                                                                                                                        فعلى هذا ، يصير المشتري غارما لقدر من النقصان مع الثمن ، ويختلف القدر الخارج بالحساب .

                                                                                                                                                                        الحالة الثانية : أن يحدث النقص بعد موت البائع ، فظاهر ما ذكره الأستاذ وأبو منصور ، أنه كما لو حدث قبل الموت ، حتى يكون القدر المبيع هنا كالقدر المبيع فيما إذا حدث قبل موته .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : وهذا خطأ إن أراد هذا الظاهر ; لأن النظر في التركة وحساب الثلث والثلثين إلى حالة الموت ، ولا معنى لاعتبار النقص بعده ، كما لا تعتبر الزيادة .

                                                                                                                                                                        القسم الثاني : إذا حدث النقص في يد البائع ، بأن باع مريض عبدا يساوي عشرين بعشرة ، ولم يسلمه حتى عادت قيمته إلى عشرة ، ذكر الأستاذ : أنه يصح البيع في جميعه ; لأن التبرع إنما يتم بالتسليم ، وقد بان قبل التسليم أنه لا تبرع .

                                                                                                                                                                        قال : وكذا لو عادت قيمته إلى خمسة عشر ; لأن التبرع يكون بخمسة ، والثلث واف بها .

                                                                                                                                                                        واعترض الإمام بأن التبرع الواقع في ضمن البيع لا يتوقف نفوذه وانتقال الملك فيه على التسليم ، فوجب أن ينظر إلى وقت انتقال الملك ، وأن لا يفرق بين النقص قبل القبض وبعده ، وهذه الاعتراضات بينة .

                                                                                                                                                                        فرع : الحادث في يد المشتري ، إن كان بانخفاض السوق ، لم يدفع خيار المشتري بتبعض الصفقة عليه .

                                                                                                                                                                        وإن كان لمعنى في نفس المبيع ، فقد شبهوه بالعيب الحادث مع الاطلاع على العيب القديم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية