الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل واتفق فقهاء الأمصار على أن الجمعة مخصوصة بموضع لا يجوز فعلها في غيره ؛ لأنهم مجمعون على أن الجمعة لا تجوز في البوادي ومناهل الأعراب ، فقال أصحابنا : " هي مخصوصة بالأمصار ولا تصح في السواد " ، وهو قول الثوري وعبيد الله بن الحسن [ ص: 338 ] وقال مالك : " تصح الجمعة في كل قرية فيها بيوت متصلة وأسواق متصلة ، يقدمون رجلا يخطب ويصلي بهم الجمعة إن لم يكن لهم إمام " .

وقال الأوزاعي : " لا جمعة إلا في مسجد جماعة مع الإمام " وقال الشافعي : " إذا كانت قرية مجتمعة البناء والمنازل وكان أهلها لا يظعنون عنها إلا ظعن حاجة وهم أربعون رجلا حرا بالغا غير مغلوب على عقله وجبت عليهم الجمعة " قال أبو بكر : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ، وروي عن علي مثله وأيضا لو كانت الجمعة جائزة في القرى لورد النقل به متواترا كوروده في فعلها في الأمصار ؛ لعموم الحاجة إليه .

وأيضا لما اتفقوا على امتناع جوازها في البوادي ؛ لأنها ليست بمصر وجب مثله في السواد وروي أنه قيل للحسن : إن الحجاج أقام الجمعة بالأهواز فقال : لعن الله الحجاج يترك الجمعة في الأمصار ويقيمها في حلاقيم البلاد فإن قيل : روي عن ابن عمر أن الجمعة تجب على من آواه الليل ، وأن أنس بن مالك كان بالطف فربما جمع وربما لم يجمع ؛ وقيل من الطف إلى البصرة أقل من أربع فراسخ وأقل من مسيرة نصف يوم .

قيل له : إنما هذا كلام فيما حكمه حكم المصر ، فرأى ابن عمر أن ما قرب من المصر فحكمه حكمه وتجب على أهله الجمعة ، وهذا يدل على أنهم لم يكونوا يرون الجمعة إلا في الأمصار أو ما حكمه حكم الأمصار .

التالي السابق


الخدمات العلمية