الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          يقول تعالى:

                                                          ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين

                                                          وإن العذاب يجيء إليهم في الآخرة كما ذكر سبحانه:

                                                          ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار أي: جزءا من الزمان قليلا من النهار، وذكر النهار، لأن الليل قد يستطيل الإنسان وقته، ولأن الحشر وكأنه يجيء في غير ظلام بل في إشراق ليستبين المهتدي من الضال، كما قال تعالى: كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار وقوله تعالى: كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها

                                                          والمراد أن يوم الحشر لا يحسون فيه بفاصل زمني بينهم وبين ما كانوا عليه في الدنيا، فيحسون أن الدنيا بطولها ليست إلا زمنا قصيرا قضوه فيها، وفي ذلك إشارة إلى قصر الدنيا مهما طالت فلا يحسون بها إلا زمنا قصيرا، وقد قال تعالى [ ص: 3581 ] في بيان ظنونهم نحوها ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون

                                                          كما يقول سبحانه: يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما وكل ذلك يصور إحساسهم بقصر الدنيا يوم تقوم الساعة.

                                                          وفي قوله تعالى: لم يلبثوا إلا ساعة الدليل على أنه سبحانه يحشرهم بأقل ما يمكن من الزمن وأن حشرهم ليس عسيرا حتى يأخذ زمنا عند الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهم يحسون الدنيا الفانية شيئا قصير الأمد، ساعة من نهار، أو يوما في تقدير أمثلهم طريقة.

                                                          ثم يقول تعالى: يتعارفون بينهم التابعون والمتبوعون، الذين ضلوا والذين أضلوا الفقراء، الذين سخروا منهم والساخرون.

                                                          عندئذ يدرك الذين كذبوا بلقاء ربهم ما خسروه بسبب طغيانهم في الدنيا واستهزائهم وقولهم لكل نبي ما نراك اتبعك إلا أراذلنا، ولذلك بين سبحانه أنهم رأوا وعاينوا مقام التابعين للحق كما عاينوا دركهم في الجحيم.

                                                          قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله خسروا لأنهم ضلوا واشتروا الضلالة بالهدى والحياة الدنيا بالآخرة، لم يقدموا لأنفسهم فخسروا خسرانا مبينا، ختم الله تعالى الآية بالخسارة العظمى التي أدت إلى الخسائر كلها بقوله تعالى: وما كانوا مهتدين فنفى عنهم الاهتداء نفيا مؤكدا وبقي الضلال المؤكد.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية