الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس

"تلك" رفع بالابتداء "والرسل" خبره، ويجوز أن يكون "الرسل" عطف بيان و"فضلنا" الخبر، و"تلك" إشارة إلى جماعة مؤنثة اللفظ.

ونص الله في هذه الآية على تفضيل بعض الأنبياء على بعض، وذلك في الجملة دون تعيين مفضول، وهكذا هي الأحاديث عن النبي عليه السلام، فإنه قال: "أنا سيد ولد آدم"، وقال: "لا تفضلوني على موسى" . وقال: "لا ينبغي لأحد أن يقول: [ ص: 19 ] أنا خير من يونس بن متى" ، وفي هذا نهي شديد عن تعيين المفضول- لأن يونس عليه السلام كان شابا، وتفسخ تحت أعباء النبوة، فإذا كان هذا التوقيف فيه لمحمد صلى الله عليه وسلم فغيره أحرى، فربط الباب أن التفضيل فيهم على غير تعيين المفضول- وقد قال أبو هريرة: خير ولد آدم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وهم أولو العزم - والمكلم موسى صلى الله عليه وسلم، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آدم - أنبي مرسل هو؟ فقال: "نعم نبي مكلم" ، وقد تأول بعض الناس أن تكليم آدم كان في الجنة، فعلى هذا تبقى خاصة موسى.

[ ص: 20 ] وقوله تعالى: ورفع بعضهم درجات قال مجاهد، وغيره: هي إشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه بعث إلى الناس كافة، وأعطي الخمس التي لم يعطها أحد قبله، وهو أعظم الناس أمة، وختم الله به النبوات، إلى غير ذلك من الخلق العظيم الذي أعطاه الله، ومن معجزاته، وباهر آياته، ويحتمل اللفظ أن يراد به محمد وغيره ممن عظمت آياته، ويكون الكلام تأكيدا للأول، ويحتمل أن يريد رفع إدريس المكان العلي، ومراتب الأنبياء في السماء فتكون الدرجات في المسافة، ويبقى التفضيل مذكورا في صدر الآية فقط.

وبينات عيسى عليه السلام: هي إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، وخلق الطير من الطين.

وروح القدس: جبريل عليه السلام، وقد تقدم ما قال العلماء فيه.

التالي السابق


الخدمات العلمية