الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 311 ] الباب الرابع في الأوصياء

                                                                                                                                                                        الوصاية مستحبة في رد المظالم ، وقضاء الديون ، وتنفيذ الوصايا ، وأمور الأطفال . قلت : هي في رد المظالم وقضاء الديون التي يعجز عنها في الحال واجبة .

                                                                                                                                                                        فإن لم يوص إلى أحد نصب القاضي من يقوم بها . وأغرب الأستاذ أبو منصور فحكى وجها ، أنه إذا كان في الورثة رشيد ، قام بهذه الأمور وإن لم ينصبه القاضي .

                                                                                                                                                                        وللوصاية أركان وأحكام ، أما أركانها ، فأربعة .

                                                                                                                                                                        [ الركن ] الأول : الوصي ، وله خمسة شروط ، وهي : التكليف ، والحرية ، والإسلام ، والعدالة ، والكفاية في التصرفات . فالصبي والمجنون ومن بعضه رقيق ، والمكاتب والمدبر وأم الولد ، لا تصح الوصية إليهم . وفي مستولدته ومدبره خلاف مبني على أن صفات الوصي تعتبر حالة الوصاية والموت ، أم حالة الموت ؟ ولا يجوز وصاية مسلم إلى ذمي ، ويجوز عكسه ، وتجوز وصاية الذمي إلى الذمي على الأصح بشرط العدالة في دينه ، ولا تجوز إلى فاسق ولا إلى عاجز عن التصرف لا يهتدى إليه لسفه أو هرم أو غيرهما ، هذا هو الصحيح . وربما دل كلام بعض الأصحاب على أن هذا الشرط الأخير غير معتبر .

                                                                                                                                                                        وتجوز الوصاية إلى أعمى على الأصح . وقيل : لا ، فتكون الشروط ستة . وزاد الروياني وآخرون شرطا سابعا ، وهو أن لا يكون الوصي عدوا للطفل الذي يفوض أمره إليه ، وحصروا الشروط كلها بلفظ مختصر فقالوا : ينبغي أن يكون الوصي بحيث تقبل شهادته على الطفل . وكل ما اعتبر من الشروط ، ففي وقت اعتباره ثلاثة أوجه : أصحها : يعتبر حاله عند الموت . والثاني : عند الوصاية والموت جميعا . والثالث : يعتبر في الحالتين وفيما بينهما .

                                                                                                                                                                        [ ص: 312 ] فرع

                                                                                                                                                                        لا يشترط في الوصي الذكورة ، بل يجوز التفويض إلى المرأة ، وإذا حصلت الشروط في أم الأطفال ، فهي أولى من غيرها . وحكى الحناطي وجها ، أنه لا تجوز الوصاية إليها ، لأنها ولاية ، ومقتضاه الطرد في جميع النساء .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا تغير حال الوصي ، فإن كان قبل موت الموصي ، بني على أن الشروط متى تعتبر ؟ وإن تغير بعد موته ، نظر ، إن فسق ، إما بتعد في المال ، وإما بسبب آخر ، بطلت ولايته . وقيل : لا تبطل حتى يعزله الحاكم ، والصحيح الأول ، وبه قطع الجمهور ، وفي معناه قيم القاضي . وفي بطلان ولاية القاضي بالفسق وجهان . أصحهما : البطلان . والثاني : لا ، كالإمام الأعظم . والأب ، والجد ، إذا فسقا ، انتزع الحاكم مال الطفل منهما .

                                                                                                                                                                        ولا تبطل ولاية الإمام الأعظم بالفسق ، لتعلق المصالح الكلية بولايته ؛ بل تجوز ولاية الفاسق ابتداء ، إذا دعت إليها ضرورة ، لكن لو أمكن الاستبدال به إذا فسق من غير فتنة ، استبدل . وفيه وجه ، أنها تبطل أيضا ، وبه قطع الماوردي في الأحكام السلطانية ، والصحيح الأول .

                                                                                                                                                                        وإذا تاب الفاسق وصلحت حاله ، فهل تعود ولايته ؟ أما الوصي والقيم ، فلا تعود ولايتهما على الصحيح . والأب ، والجد ، تعود ولايتهما ، والقاضي كالوصي . وإذا كان الوصي قد أتلف مالا ، لم يبرأ عن ضمانه حتى يدفعه إلى الحاكم ، ثم يرده الحاكم إليه إن ولاه . فإن كان أبا ، قبض المضمون من نفسه لولده ، وليس من التعدي أكل الأب والوصي مال الطفل لضرورة ، لكن إذا وجب الضمان ، فطريق البراءة ما ذكرنا .

                                                                                                                                                                        [ ص: 313 ] فرع

                                                                                                                                                                        تصرفات الوصي بعد الانعزال باطلة . قال القفال : لكن رد المغصوب والعواري والودائع وقضاء الديون من جنسها في التركة ، لا ينقض ؛ لأن أخذ المستحق فيها كاف .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا جن الموصي ، أو أغمي عليه ، أقام الحاكم غيره مقامه . فإن أفاق ، فهل يبقى على ولايته كالأب والجد والإمام الأعظم إذا أفاقوا ؟ أم تبطل لأنه يلي بالتفويض كالتوكيل بخلاف الأب وبخلاف الإمام للمصلحة الكلية ؟ فيه وجهان . أصحهما : الثاني ، ويجريان في القاضي إذا أفاق . وإذا أفاق الإمام الأعظم بعدما ولي غيره ، فالولاية للثاني ، إلا أن تثور فتنة ، فهي للأول ، ذكره البغوي .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو اختلت كفاية الوصي ، بأن ضعف عن الكتابة والحساب ، أو ساء تدبيره لكبر أو مرض ، ضم القاضي إليه من يعينه ويرشده . ولو عرض ذلك لقيم القاضي ، عزله ؛ لأنه الذي ولاه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية