الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          إن ما يكون في يوم الجزاء من عقاب للآثمين يساوي كل ما في الدنيا بحذافيرها من متاع، ولذا قال تعالى:

                                                          ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون

                                                          إن الهول سيكون فوق ما تدركه عقول من كفروا بذلك اليوم واستهانوا واستهزءوا به، وأنه لو تحقق لكل نفس ظلمت بالشرك والعناد والاعتداء والشهوات [ ص: 3592 ] وغير ذلك من الظلم وهو ظلمات يوم القيامة، لو ثبت أن لها ما في الأرض من معادن وزروع وحدائق وجنات ونعيم ثابت وعارض تملكه وما في الأرض جميعا لافتدت به وقدمته كله فداء، وهذا بيان لتضاؤل الدنيا بنعيمها وما فيها إلى جانب عذاب الله تعالى، وأن على كل نفس أن تتوقاه في هذه الدنيا.

                                                          وأسروا الندامة عندما يرون هول يوم القيامة اعترتهم الندامة وأسروها لا يستطيعون إبداءها من ذهولهم بما رأوا، وقد قال في ذلك الزمخشري قولا حسنا: (أسروا الندامة) لما رأوا العذاب; لأنهم بهتوا برؤية ما لم يحسبوا ولم يخطر ببالهم، وعاينوا من شدة الأمر وتفاقمه ما سلبهم قواهم وبهرهم فلم يطيقوا عنده بكاء ولا صراخا ولا ما يفعله الجازع سوى إسرارهم الندم والحسرة في القلوب، كما ترى المقدم للصلب فإنه من فظاعة الخطب لا ينبس بكلمة ويبقى جامدا مبهوتا، وقيل: أسر رؤساؤهم وسفلتهم، أسروا الندامة حياء منهم ومن فعلتهم وخوفا من توبيخهم. وقيل: أسروها، أي: أخلصوها إما لأن إخفاءها إخلاصها، وإما من قولهم أسر بالشيء لخالصه، وفيه تهكم بهم وبأخطائهم وقت إخلاص الندامة ".

                                                          وإن الآية الكريمة تشمل كل هذه المعاني مع أن أولها المتبادر، ولكنه كلام الله يحمل المعاني التي ندركها وغيرها، والله تعالى وحده أعلم.

                                                          أسروا الندامة الضمير يعود على كل الظالمين الذين ظلمت نفوسهم وودوا أن يكون في ملكهم الأرض وما فيها، والضمير بلفظ الجمع يعني الجمع في قوله: ولو أن لكل نفس ظلمت

                                                          وإن الله يقضي بينهم بالقسط، أي: بالحق الذي يوزن فيه بميزان دقيق لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وهم لا يظلمون، أي: لا ينقصون شيئا لأنهم يحاكمون أمام الحكم العدل اللطيف الخبير.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية