الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2022 باب في المواقيت، في الحج والعمرة

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب مواقيت الحج ).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 82 - 84 ج 8 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عمرو بن دينار، ، عن طاوس، ، عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة (ذا الحليفة). ولأهل الشام (الجحفة). ولأهل نجد (قرن المنازل). ولأهل المدينة ( يلملم ).

                                                                                                                              قال: "فهن لهن. ولمن أتى عليهن من غير أهلهن. ممن أراد الحج والعمرة. فمن كان دونهن فمن أهله. وكذا فكذلك. حتى أهل مكة يهلون منها"].


                                                                                                                              [ ص: 231 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 231 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن عباس ) رضي الله عنهما، (قال: وقت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ( ذا الحليفة )) . بضم الحاء وبالفاء مصغرا.

                                                                                                                              قال النووي : هي أبعد المواقيت من مكة ، بينهما نحو عشر مراحل أو تسع. وهي قريبة من المدينة ، على نحو ستة أميال منها.

                                                                                                                              وقال الحافظ في (الفتح): مكان معروف، بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين. قاله ابن حزم .

                                                                                                                              قال: وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة، خراب. وفيها بئر يقال لها: بئر علي.

                                                                                                                              (ولأهل الشام " الجحفة ") بجيم مضمومة، ثم حاء مهملة ساكنة.

                                                                                                                              سميت بذلك، لأن السيل أجحفها في وقت.

                                                                                                                              وهي ميقات لهم، ولأهل مصر .

                                                                                                                              ويقال لها: ( مهيعة ). بفتح الميم وإسكان الهاء وفتح الياء. كما ذكره في بعض روايات مسلم .

                                                                                                                              وحكى عياض عن بعضهم: (كسر الهاء). والصحيح المشهور: إسكانها.

                                                                                                                              قال النووي : وهي على نحو ثلاث مراحل من مكة ، على طريق المدينة . ومثله في (شرح المهذب) له.

                                                                                                                              [ ص: 232 ] قال الحافظ في (الفتح): وفيه نظر.

                                                                                                                              وقال في (القاموس): هي على اثنين وثمانين ميلا من مكة . بها غدير (خم) ، كما قال صاحب (النهاية) رحمه الله.

                                                                                                                              ولأهل نجد ( قرن ). هكذا وقع في أكثر النسخ: ( قرن ) من غير ألف بعد النون.

                                                                                                                              وفي بعضها: ( قرنا ) بالألف، وهو الأجود. لأنه موضع واسم لجبل، فوجب صرفه.

                                                                                                                              والذي وقع بغير ألف، يقرأ منونا.

                                                                                                                              وإنما حذفوا الألف، كما جرت عادة بعض المحدثين يكتبون: (يقول سمعت أنس ) بغير ألف، ويقرأ بالتنوين.

                                                                                                                              ويحتمل على بعد أن يقرأ: ( قرنا ) منصوبا بغير تنوين. ويكون أراد به البقعة. فيترك صرفه.

                                                                                                                              ( وقرن المنازل ) بفتح القاف وإسكان الراء، بلا خلاف بين أهل العلم: من أهل الحديث، واللغة والتاريخ، والأسماء، وغيرهم.

                                                                                                                              قال النووي : وغلط الجوهري في صحاحه فيه غلطين فاحشين، فقال: (بفتح الراء). وزعم أن أويسا القرني منسوب إليه. والصواب: إسكان الراء. وأن أويسا منسوب إلى قبيلة معروفة، يقال لهم: ( بنو قرن ). وهي بطن من مراد (القبيلة المعروفة). ينسب إليها ( المرادي ).

                                                                                                                              [ ص: 233 ] وقرن المنازل على نحو مرحلتين من مكة . قالوا: وهو أقرب المواقيت إلى مكة . انتهى.

                                                                                                                              وغلطه أيضا صاحب القاموس.

                                                                                                                              وقيل: إنه بالسكون (الجبل). وبالفتح (الطريق). حكاه عياض عن القابسي .

                                                                                                                              قال في (الفتح): والجبل المذكور، بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان.

                                                                                                                              (ولأهل اليمن " يلملم ") بفتح الياء واللامين. ويقال أيضا: ( ألملم ) بهمزة بدل الياء. لغتان مشهورتان.

                                                                                                                              وهو جبل من جبال ( تهامة ) ، على مرحلتين من مكة . قاله النووي . ومثله في (القاموس). وقال في (الفتح) كذلك. وزاد: بينهما ثلاثون ميلا.

                                                                                                                              (قال: فهن لهن) . قال عياض : كذا جاءت الرواية في الصحيحين وغيرهما، عند أكثر الرواة.

                                                                                                                              قال: ووقع عند بعض رواة البخاري ومسلم : (فهن لهم). وكذا رواه أبو داود وغيره. وكذا ذكره مسلم من رواية ابن أبي شيبة . وهو الوجه. لأنه ضمير أهل هذه المواضع.

                                                                                                                              قال: ووجه الرواية المشهورة: أن الضمير في (لهن) ، عائد على المواضع والأقطار المذكورة. وهي المدينة ، والشام ، واليمن ، ونجد .

                                                                                                                              [ ص: 234 ] أي: هذه المواقيت لهذه الأقطار. والمراد: لأهلها. فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه.

                                                                                                                              وعبارة شيخنا في (النيل) هكذا: (هن) أي: المواقيت. وهي ضمير جماعة المؤنث. وأصله لما يعقل.

                                                                                                                              وقد يستعمل فيما لا يعقل. لكن فيما دون العشرة. كذا في (الفتح).

                                                                                                                              وقوله: (لهن) أي: للجماعات المذكورة. ويدل عليه ما وقع في رواية في الصحيحين بلفظ (هن لهم أو لأهلهن) . على حذف المضاف. كما وقع في رواية للبخاري بلفظ (هن لأهلهن) . انتهى.

                                                                                                                              (ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج والعمرة) .

                                                                                                                              قال النووي : معناه: أن الشامي إذا مر بميقات المدينة في ذهابه، لزمه أن يحرم من ميقات المدينة ، ولا يجوز له تأخيره إلى ميقات الشام ، الذي هو ( الجحفة ). وكذا الباقي من المواقيت.

                                                                                                                              قال: وهذا لا خلاف فيه. انتهى.

                                                                                                                              "وفيه": دلالة للمذهب الصحيح، فيمن مر بالميقات لا يريد حجا ولا عمرة : أنه لا يلزمه الإحرام لدخول مكة ، سواء دخل لحاجة [ ص: 235 ] تتكرر: كحطاب، وحشاش، وصياد، ونحوهم. أو لا تتكرر: كتجارة، وزيارة، ونحوهما.

                                                                                                                              وفي المسألة خلاف منتشر، وفروع ذكرها النووي وغيره.

                                                                                                                              والذي ذكرناه، هو المدلول للدليل الصحيح الصريح.

                                                                                                                              وفائدة المواقيت: أن من أراد حجا، أو عمرة، حرم عليه مجاوزتها بغير إحرام، ولزمه الدم.

                                                                                                                              قال الأئمة الأربعة والجمهور: هي واجبة، لو تركها وأحرم بعد مجاوزتها أثم، ولزمه دم، وصح حجه.

                                                                                                                              وقال عطاء والنخعي : لا شيء عليه.

                                                                                                                              وقال سعيد بن جبير : لا يصح حجه.

                                                                                                                              (فمن كان دونهن) . أي: بين الميقات ومكة .

                                                                                                                              (فمن أهله) . أي: فميقاته من محل أهله.

                                                                                                                              (وكذا فكذلك) . هكذا هو في جميع النسخ. وهو صحيح.

                                                                                                                              ومعناه: وهكذا فهكذا. من جاوز مسكنه الميقات.

                                                                                                                              (حتى أهل مكة يهلون منها) .

                                                                                                                              (الإهلال) أصله: رفع الصوت. لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام، ثم أطلق على نفس الإحرام اتساعا.

                                                                                                                              [ ص: 236 ] وفي رواية أخرى : "ومن كان دون ذلك، فمن حيث أنشأ. حتى أهل مكة من مكة .

                                                                                                                              قال النووي : وأجمع العلماء على هذا كله، فمن كان في مكة من أهلها أو واردا إليها، وأراد الإحرام بالحج، فميقاته: نفس " مكة ".

                                                                                                                              ولا يجوز له ترك مكة ، والإحرام بالحج من خارجها، سواء الحرم والحل.

                                                                                                                              هذا هو الصحيح. لهذا الحديث. قال: ويجوز أن يحرم من جميع نواحي مكة ، بحيث لا يخرج عن نفس المدينة وسورها.

                                                                                                                              وفي الأفضل قولان: أصحهما: من باب داره.

                                                                                                                              والثاني: من المسجد الحرام، تحت الميزاب.

                                                                                                                              وهذا كله في إحرام المكي بالحج. والحديث إنما هو في إحرامه بالحج.

                                                                                                                              وأما ميقات المكي للعمرة: فأدنى الحل. لحديث عائشة : ( أن النبي -صلى الله عليه وسلم - أمرها في العمرة: أن تخرج إلى التنعيم ، وتحرم بالعمرة منه ).

                                                                                                                              والتنعيم في طرف الحل. انتهى.

                                                                                                                              قال المحب الطبري : لا أعلم أحدا جعل ( مكة ) ميقاتا للعمرة. انتهى.

                                                                                                                              أقول: جعلها ميقاتا لها، من لم يعمل بحديث عائشة ، وأوله على [ ص: 237 ] تطييب نفسها. وإلى هذا جنح شيخ الإسلام (ابن تيمية) ، وتلميذه الحافظ (ابن القيم) .

                                                                                                                              وعندي: أن الإعمال خير من الإهمال. وإليه شيخنا الشوكاني رحمه الله تعالى قد مال. والله أعلم بحقيقة الحال.




                                                                                                                              الخدمات العلمية