الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ( 75 ) ) [ ص: 543 ]

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : " وما لكم " - أيها المؤمنون - " لا تقاتلون في سبيل الله " وفي " المستضعفين " يقول : عن المستضعفين منكم " من الرجال والنساء والولدان " ، فأما من " الرجال " فإنهم كانوا قد أسلموا بمكة ، فغلبتهم عشائرهم على أنفسهم بالقهر لهم ، وآذوهم ، ونالوهم بالعذاب والمكاره في أبدانهم ليفتنوهم عن دينهم ، فحض الله المؤمنين على استنقاذهم من أيدي من قد غلبهم على أنفسهم من الكفار ، فقال لهم : وما شأنكم لا تقاتلون في سبيل الله ، وعن مستضعفي أهل دينكم وملتكم الذين قد استضعفهم الكفار فاستذلوهم ابتغاء فتنتهم وصدهم عن دينهم ؟ من الرجال والنساء والولدان : جمع ولد ، وهم الصبيان " الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها " يعني بذلك أن هؤلاء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان يقولون في دعائهم ربهم بأن ينجيهم من فتنة من قد استضعفهم من المشركين : يا ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها .

والعرب تسمي كل مدينة : قرية ، يعني التي قد ظلمتنا وأنفسها أهلها ، وهي في هذا الموضع فيما فسر أهل التأويل مكة " .

وخفض " الظالم " ؛ لأنه من صفة " الأهل " ، وقد عادت " الهاء والألف " اللتان فيه على " القرية " ، وكذلك تفعل العرب إذا تقدمت صفة الاسم الذي معه عائد لاسم قبلها ، أتبعت إعرابها إعراب الاسم الذي قبلها ، كأنها صفة له ، فتقول : مررت بالرجل الكريم أبوه .

" واجعل لنا من لدنك وليا " يعني : أنهم يقولون - أيضا - في دعائهم : يا ربنا واجعل لنا من عندك وليا يلي أمرنا بالكفاية مما نحن فيه من فتنة أهل الكفر بك [ ص: 544 ] " واجعل لنا من لدنك نصيرا " يقولون : واجعل لنا من عندك من ينصرنا على من ظلمنا من أهل هذه القرية الظالم أهلها ، بصدهم إيانا عن سبيلك ، حتى تظفرنا بهم ، وتعلي دينك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

9944 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها قال : أمر المؤمنين أن يقاتلوا عن مستضعفي المؤمنين كانوا بمكة .

9945 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان " الصبيان " الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها " : مكة أمر المؤمنين أن يقاتلوا عن مستضعفين مؤمنين كانوا بمكة .

9946 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها : يقول : وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله وفي المستضعفين وأما " القرية " فمكة .

9947 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين قال : وفي المستضعفين . [ ص: 545 ]

9948 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن كثير : أنه سمع محمد بن مسلم بن شهاب يقول : وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان قال : في سبيل الله وسبيل المستضعفين .

9949 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن وقتادة في قوله : أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ، قالا : خرج رجل من القرية الظالمة إلى القرية الصالحة ، فأدركه الموت في الطريق ، فنأى بصدره إلى القرية الصالحة ، فما تلافاه إلا ذلك ، فاحتجت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فأمروا أن يقدروا أقرب القريتين إليه ، فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة بشبر . وقال بعضهم : قرب الله إليه القرية الصالحة ، فتوفته ملائكة الرحمة .

9950 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان : هم أناس مسلمون كانوا بمكة ، لا يستطيعون أن يخرجوا منها ليهاجروا ، فعذرهم الله ، فهم أولئك . وقوله : ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ، فهي مكة .

9950 م - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : [ ص: 546 ] وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها قال : وما لكم لا تفعلون ؟ تقاتلون لهؤلاء الضعفاء المساكين الذين يدعون الله أن يخرجهم من هذه القرية الظالم أهلها ، فهم ليس لهم قوة ، فما لكم لا تقاتلون حتى يسلم الله هؤلاء ودينهم ؟ قال : والقرية الظالم أهلها مكة .

التالي السابق


الخدمات العلمية