الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2028 باب منه

                                                                                                                              وأورده النووي في الباب المتقدم.

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 86 ج 8 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [وحدثني محمد بن حاتم، وعبد بن حميد. كلاهما عن محمد بن بكر. قال عبد: أخبرنا محمد. أخبرنا ابن جريج. أخبرني أبو الزبير؛ أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يسأل عن المهل؟ فقال: سمعت (أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم) فقال: "مهل أهل المدينة من ذي الحليفة. والطريق الآخر الجحفة. ومهل أهل العراق من ذات عرق. ومهل أهل نجد من قرن. ومهل أهل المدينة من يلملم " ].

                                                                                                                              [ ص: 238 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 238 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، يسأل عن المهل؟ فقال: سمعت أحسبه رفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مهل أهل المدينة".) بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام. أي: موضع إهلالهم.

                                                                                                                              ("من ذي الحليفة . والطريق الآخر الجحفة ، ومهل أهل العراق من ذات عرق ".) بكسر العين.

                                                                                                                              وهذا صريح في كونه ميقات أهل العراق . لكن ليس رفع الحديث ثابتا.

                                                                                                                              قال النووي : اختلف العلماء: هل صارت ميقاتهم بتوقيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، أم باجتهاد عمر بن الخطاب ؟

                                                                                                                              ونص الشافعي في (الأم): بتوقيت عمر . وذلك صريح في صحيح البخاري .

                                                                                                                              ودليل من قال بتوقيت النبي -صلى الله عليه وسلم-: حديث جابر ، لكنه غير ثابت، لعدم الجزم برفعه.

                                                                                                                              وأما قول الدارقطني : إنه حديث ضعيف، لأن العراق لم تكن فتحت في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم -، فكلامه في تضعيفه صحيح. ودليله ما ذكرته.

                                                                                                                              وأما استدلاله لضعفه بعدم فتح العراق ، ففاسد. لأنه لا يمتنع أن [ ص: 239 ] يخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، لعلمه بأنه سيفتح. ويكون ذلك من معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم -، والإخبار بالمغيبات المستقبلات.

                                                                                                                              كما أنه -صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل الشام الجحفة ، في جميع الأحاديث الصحيحة.

                                                                                                                              ومعلوم: أن الشام لم يكن فتح حينئذ.

                                                                                                                              وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة عنه -صلى الله عليه وسلم -: أنه أخبر بفتح الشام ، واليمن ، والعراق ، وأنهم يأتون إليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.

                                                                                                                              وأنه -صلى الله عليه وسلم - أخبر: بأنه زويت له مشارق الأرض ومغاربها. وقال: "سيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها" .

                                                                                                                              وأنهم سيفتحون مصر ، وهي أرض يذكر فيها القيراط.

                                                                                                                              وأن عيسى ينزل على المنارة البيضاء، شرقي دمشق .

                                                                                                                              وكل هذه الأحاديث في الصحيح. وفي الصحيح من هذا القبيل، ما يطول ذكره. انتهى.

                                                                                                                              وأقول: روي عن عائشة : ( أن النبي -صلى الله عليه وسلم -، وقت لأهل العراق : ذات [ ص: 240 ] عرق ). رواه أبو داود ، وسكت عنه هو والمنذري .

                                                                                                                              ورواه النسائي أيضا. قال في (التلخيص): هو من رواية القاسم عنها.

                                                                                                                              تفرد به المعافى بن عمران ، عن أفلح عنه. والمعافى ثقة.

                                                                                                                              وحديث جابر هذا: أخرجه أبو عوانة في مستخرجه. كما أخرجه مسلم على الشك في رفعه.

                                                                                                                              قال في (المنتقى): وكذلك رواه أحمد ، وابن ماجة ، ورفعاه من غير شك. ولكن في إسناده أحمد (ابن لهيعة) وهو ضعيف، وفي إسناد ابن ماجة : ( إبراهيم بن يزيد الخوزي ) ، وهو غير محتج به.

                                                                                                                              وفي الباب: روايات يقوي بعضها بعضا. وبها يرد على ابن خزيمة حيث قال: في ( ذات عرق ) أخبار، لا يثبت منها شيء عند أهل الحديث. وعلى ابن المنذر حيث يقول: لم نجد في ( ذات عرق ) حديثا يثبت.

                                                                                                                              قال في (الفتح): لعل من قال: إنه غير منصوص، لم يبلغه. أو رأى ضعف الحديث باعتبار: أن كل طريق منها، لا يخلو عن مقال.

                                                                                                                              قال: لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى.

                                                                                                                              وممن قال بأنه منصوص عليه: الحنفية ، والحنابلة .

                                                                                                                              قال في (السيل الجرار) ، بعدما ذكر الأحاديث الواردة في هذه المسألة: هذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا، فتصلح للاحتجاج بها: بأن ( ذات عرق ) وقتها النبي -صلى الله عليه وسلم - لأهل العراق . انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 241 ] قلت: وقد ورد ما يعارض أحاديث الباب: فأخرج أبو داود ، والترمذي ، عن ابن عباس : (أن النبي -صلى الله عليه وسلم -، وقت لأهل المشرق العقيق) وحسنه الترمذي ، لكن في إسناده ( يزيد بن أبي زياد ). قال النووي : ضعيف باتفاق المحدثين.

                                                                                                                              وقال الحافظ : في نقل الاتفاق نظر، يعرف من ترجمته. انتهى.

                                                                                                                              قال في (النيل): ويزيد المذكور، أخرج حديثه أهل السنن الأربعة ومسلم ، مقرونا بآخر.

                                                                                                                              وقد جمع بين هذه بأوجه:

                                                                                                                              منها: أن ( ذات عرق ) ميقات الوجوب. ( والعقيق ) ميقات الاستحباب، لأنه أبعد من ( ذات عرق ).

                                                                                                                              ومنها: أن ( العقيق ) ميقات لبعض العراقيين، وهم أهل المدائن . والآخر ميقات أهل البصرة .

                                                                                                                              ومنها: أن ( ذات عرق ) كانت أولا في موضع العقيق الآن، ثم حولت وقربت إلى مكة .

                                                                                                                              فعلى هذا: فذات عرق والعقيق ، شيء واحد.

                                                                                                                              حكى هذه الأوجه صاحب (الفتح). انتهى.

                                                                                                                              (ومهل أهل نجد من " قرن ". وهل أهل اليمن من " يلملم ".)

                                                                                                                              قال النووي : إن للحج ميقات مكان، وهو ما في هذه الأحاديث. وميقات زمان ، وهو شوال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة.

                                                                                                                              [ ص: 242 ] ولا يجوز الإحرام بالحج، في غير هذا الزمان.

                                                                                                                              قال: هذا مذهب الشافعي . ولو أحرم بالحج في غير هذا الزمان لم ينعقد حجا، وانعقد عمرة.

                                                                                                                              قال في (السيل): لا يجوز ولا يجزئ: الإحرام قبل أشهر الحج ، ولا قبل الوصول إلى الميقات المضروب للإحرام. انتهى.

                                                                                                                              قال النووي : وأما العمرة، فيجوز الإحرام بها وفعلها، في جميع السنة. ولا يكره في شيء منها. لكن شرطها أن لا يكون في الحج، ولا مقيما على شيء من أفعاله، ولا يكره تكرار العمرة في السنة ، بل يستحب عند الجمهور.

                                                                                                                              وكرهه ابن سيرين ومالك .

                                                                                                                              ويجوز الإحرام بالحج، بما فوق الميقات أبعد من مكة ، سواء دويرة أهله، وغيرها. ومن الميقات أفضل. للاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم -. وهذا أصح القولين للشافعي رحمه الله.




                                                                                                                              الخدمات العلمية