الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب يحتمل تخصيص سماء الدنيا بالذكر وجهين:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: لاختصاصها بالدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: لاختصاصها بالمشاهدة ، وقوله "بزينة الكواكب" لأن من الكواكب ما خلق للزينة ، ومنها ما خلق لغير الزينة.

                                                                                                                                                                                                                                        حكى عقبة بن زياد عن قتادة قال: خلقت النجوم لثلاث: رجوما للشياطين ونورا يهتدى به ، وزينة لسماء الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                        وحفظا من كل شيطان مارد فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: يعني من الكواكب حفظا من كل شيطان ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن الله سبحانه حفظ السماء من كل شيطان مارد، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        وفي المارد ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: الممتنع، قاله ابن بحر .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: العاتي مأخوذ من التمرد وهو العتو.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنه المتجرد من الخير، من قولهم: شجرة مرداء، إذا تجردت من الورق.

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: لا يسمعون إلى الملإ الأعلى فيه قولان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنهم منعوا بها أن يسمعوا أو يتسمعوا، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنهم يتسمعون ولا يسمعون ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        وفي الملإ الأعلى قولان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: السماء الدنيا، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 39 ] الثاني: الملائكة ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        ويقذفون من كل جانب قال مجاهد : يرمون من كل مكان من جوانبهم ، وقيل من جوانب السماء.

                                                                                                                                                                                                                                        دحورا فيه تأويلان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: قذفا في النار ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: طردا بالشهب ، وهو معنى قول مجاهد . قال ابن عيسى : والدحور: الدفع بعنف.

                                                                                                                                                                                                                                        ولهم عذاب واصب فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: دائم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه الذي يصل وجعه إلى القلوب ، مأخوذ من الوصب.

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: إلا من خطف الخطفة فيه تأويلان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: إلا من استرق السمع ، قاله سعيد بن جبير ، مأخوذ من الاختطاف وهو الاستلاب بسرعة ، ومنه سمي الخطاف.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: من وثب الوثبة ، قاله علي بن عيسى.

                                                                                                                                                                                                                                        فأتبعه شهاب ثاقب فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنه الشعلة من النار.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه النجم.

                                                                                                                                                                                                                                        وفي الثاقب ستة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: أنه الذي يثقب ، قاله زيد الرقاشي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه المضيء، قاله الضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنه الماضي، حكاه ابن عيسى .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: أنه العالي، قاله الفراء.

                                                                                                                                                                                                                                        الخامس: أنه المحرق، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        السادس: أنه المستوقد، من قولهم: اثقب زندك أي استوقد نارك، قاله زيد بن أسلم والأخفش، وأنشد قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        بينما المرء شهاب ثاقب ضرب الدهر سناه فخمد

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 40 ] و إلا هاهنا بمعنى لكن عند سيبويه. وقيل: إن الشهاب يحرقهم ليندفعوا عن استراق السمع ولا يموتون منه.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية