الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا

                                                                                                                                                                                                وقرأ الجحدري: "وكان أبواه مؤمنان"، على أن "كان" فيه ضمير الشأن، فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا : فخفنا أن يغشي الوالدين المؤمنين; طغيانا عليهما، وكفرا لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه، ويلحق بهما شرا وبلاء، أو يقرن بإيمانهما طغيانه وكفره، فيجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر، أو يعديهما بدائه ويضلهما بضلاله، فيرتدا بسببه، ويطغيا ويكفرا بعد الإيمان، وإنما خشي الخضر منه ذلك; لأن الله تعالى أعلمه بحاله وأطلعه على سر أمره، وأمره إياه بقتله كاخترامه لمفسدة عرفها في حياته، وفي قراءة أبي: "فخاف ربك"، والمعنى: فكره ربك كراهة من خاف سوء عاقبة الأمر فغيره، ويجوز أن يكون قوله: "فخشينا": حكاية لقول الله تعالى، بمعنى: فكرهنا، كقوله: لأهب لك ، وقرئ : "يبدلهما" بالتشديد، والزكاة: الطهارة والنقاء من الذنوب، والرحم: الرحمة [ ص: 608 ] والعطف، وروي أنه ولدت لهما جارية تزوجها نبي، فولدت نبيا هدى الله على يديه أمة من الأمم، وقيل: ولدت سبعين نبيا، وقيل: أبدلهما ابنا مؤمنا مثلهما، قيل: اسما الغلامين: أصرم، وصريم، والغلام المقتول: اسمه الحسين ، واختلف في الكنز، فقيل: مال مدفون من ذهب وفضة، وقيل: لوح من ذهب مكتوب فيه: عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب، وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقيل: صحف فيها [ ص: 609 ] علم، والظاهر لإطلاقه: أنه مال، وعن قتادة : أحل الكنز لمن قبلنا وحرم علينا، وحرمت الغنيمة عليهم وأحلت لنا: أراد قوله تعالى: والذين يكنزون الذهب والفضة . وكان أبوهما صالحا : اعتداد بصلاح أبيهما وحفظ لحقه فيهما، وعن جعفر بن محمد الصادق : كان بين الغلامين وبين الأب الذي حفظا فيه سبعة آباء، وعن الحسين بن علي -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال لبعض الخوارج في كلام جرى بينهما بم حفظ الله الغلامين؟ قال: بصلاح أبيهما، قال: فأبي وجدي خير منه، فقال: قد أنبأنا الله أنكم قوم خصمون، "رحمة": مفعول له، أو مصدر منصوب بأراد ربك، لأنه في معنى: رحمهما، وما فعلته : وما فعلت ما رأيت، عن أمري : عن اجتهادي ورأيي، وإنما فعلته بأمر الله.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية