الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر هذا القسم المارد الجافي، ثنى بمقابلة اللين الصافي، وهي الفرقة التي نجز المتاب عليها والنظر بعين الرحمة إليها فقال: وآخرون أي: ممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة آخرون اعترفوا بذنوبهم أي: كلفوا أنفسهم ذكرها توبة منهم ندما وإقلاعا وعزما ولم يفزعوا إلى المعاذير الكاذبة [وهم المقتصدون].

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الخلط جمعا في امتزاج، كان بمجرد ذكره يفهم أن المخلوط امتزج بغيره، فالإتيان بالواو في «آخر» يفهم أن المعنى: خلطوا عملا صالحا بسيئ وآخر سيئا بصالح، فهو من ألطف شاهد لنوع الاحتباك، ولعل التعبير بما أفهم ذلك إشارة إلى تساوي العملين وأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر أن يكون أصلا، [وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في أناس رآهم في المنام شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح كما رواه البخاري في التفسير عن سمرة رضي الله عنه] ثم أوجب تحقيق توبتهم الملزومة للاعتراف بقبولها بقوله: عسى الله أي: بما له من الإحاطة بأوصاف الكمال [ ص: 11 ] أن يتوب عليهم فإن عسى منه سبحانه وتعالى واجبة لأن هذا دأب الملوك، ولعل التعبير بها يفيد - مع الإيذان بأنه لا يجب عليه لأحد شيء، وأن كل إحسان يفعله فإنما هو على سبيل الفضل إشارة إلى أنهم صاروا كغيرهم من خلص المؤمنين غير المعصومين في مواقعة التقصير وتوقع الرحمة من الله بالرجوع بهم إلى المراقبة، فكما أن أولئك معدودون في حزب الله مع هذا التقصير المرجو له العفو فكذلك هؤلاء; ثم علل فعله بهم مرجيا للمزيد بقوله: إن الله أي ذا الجلال والإكرام غفور رحيم أي: لم يزل موصوفا بقبول المعرض إذا أقبل وإبدال سيئه بحسن فضلا منه وإكراما; روى البخاري في صحيحه في التفسير عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا: « أتاني الليلة آتيان فابتعثاني فانتهيا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قالا [لهم]: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة، قالا لي: هذه جنة عدن، وهذاك منزلك، قالا: أما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عفا الله عنهم ».

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية