الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 460 ] إذا : .

على وجهين :

أحدهما : أن تكون للمفاجأة ، فتختص بالجمل الاسمية ، ولا تحتاج لجواب ، ولا تقع في الابتداء ، ومعناها الحال لا الاستقبال ، نحو : فألقاها فإذا هي حية تسعى [ طه : 20 ] ، فلما أنجاهم إذا هم يبغون [ يونس : 23 ] وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا [ يونس : 21 ] .

قال ابن الحاجب : ومعنى المفاجأة حضور الشيء معك في وصف من أوصافك الفعلية ، تقول : خرجت فإذا الأسد بالباب ، فمعناه حضور الأسد معك في زمن وصفك بالخروج أو في مكان خروجك . وحضوره معك في مكان خروجك ألصق بك من حضوره في خروجك ; لأن ذلك المكان يخصك دون ذلك الزمان ، وكلما كان ألصق كانت المفاجأة فيه أقوى .

واختلف في ( إذا ) هذه :

.

فقيل : إنها حرف ، وعليه الأخفش ، ورجحه ابن مالك .

وقيل : ظرف مكان ، وعليه المبرد ، ورجحه ابن عصفور .

وقيل : ظرف زمان ، وعليه الزجاج ورجحه الزمخشري ، وزعم أن عاملها فعل مقدر مشتق من لفظ المفاجأة .

قال : التقدير : ثم إذا دعاكم فاجأتم الخروج في ذلك الوقت . ثم قال ابن هشام : ولا يعرف ذلك لغيره ، وإنما يعرف ناصبها عندهم الخبر المذكور أو المقدر ، قال : ولم يقع الخبر معها في التنزيل إلا مصرحا به .

الثاني : أن تكون لغير المفاجأة ، فالغالب أن تكون ظرفا للمستقبل مضمنة معنى الشرط ، وتختص بالدخول على الجمل الفعلية ، وتحتاج لجواب ، وتقع في الابتداء عكس الفجائية .

والفعل بعدها : إما ظاهر ، نحو : إذا جاء نصر الله [ النصر : 1 ] ، أو مقدر ، نحو : إذا السماء انشقت [ الانشقاق : 1 ] .

وجوابها إما فعل ، نحو : فإذا جاء أمر الله قضي بالحق [ غافر : 78 ] . أو جملة اسمية مقرونة بالفاء ، نحو : فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير [ المدثر : 8 ، - 9 ] فإذا نفخ في الصور فلا أنساب [ المؤمنون : 101 ] أو فعلية طلبية كذلك ، نحو : فسبح بحمد ربك [ النصر : 3 ] ، أو اسمية مقرونة بإذا الفجائية ، نحو : إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون [ الروم : 25 ] ، فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون [ الروم : 48 ] .

[ ص: 461 ] وقد يكون مقدرا لدلالة ما قبله عليه ، أو لدلالة المقام ، وسيأتي في أنواع الحذف .

وقد تخرج ( إذا ) عن الظرفية ، قال الأخفش في قوله تعالى : حتى إذا جاءوها [ الزمر : 71 ] إن ( إذا ) جر بحتى .

وقال ابن جني في قوله تعالى : إذا وقعت الواقعة [ الواقعة : 1 ] الآية ، فيمن نصب ( خافضة رافعة ) [ الواقعة : 3 ] : إن إذا الأولى مبتدأ والثانية خبر ، والمنصوبان حالان ، وكذا جملة ليس ومعمولاها . والمعنى : وقت وقوع الواقعة خافضة لقوم رافعة لآخرين - هو وقت رج الأرض .

والجمهور أنكروا خروجها عن الظرفية ، وقالوا في الآية الأولى : إن ( حتى ) حرف ابتداء ، داخل على الجملة بأسرها ولا عمل له ، وفي الثانية : إن ( إذا ) الثانية بدل من الأولى ، والأولى ظرف وجوابها محذوف لفهم المعنى ، وحسنه طول الكلام ، وتقديره بعد إذا الثانية : أي : انقسمتم أقساما ، وكنتم أزواجا ثلاثة .

وقد تخرج عن الاستقبال :

فترد للحال ، نحو : والليل إذا يغشى [ الليل : 1 ] ، فإن الغشيان مقارن لليل : والنهار إذا تجلى [ الليل : 2 ] ، والنجم إذا هوى [ النجم : 1 ] .

وللماضي ، نحو : وإذا رأوا تجارة أو لهوا [ الجمعة : 11 ] الآية ، فإن الآية نزلت بعد الرؤية والانفضاض ، وكذا قوله تعالى : ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه [ التوبة : 92 ] ، حتى إذا بلغ مطلع الشمس [ الكهف : 90 ] ، حتى إذا ساوى بين الصدفين [ الكهف : 96 ] .

وقد تخرج عن الشرطية ، نحو : وإذا ما غضبوا هم يغفرون [ الشورى : 37 ] ، والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون [ الشورى : 39 ] ، فإذا في الآيتين ظرف لخبر المبتدإ بعدها ، ولو كانت شرطية - والجملة الاسمية جواب - لاقترنت بالفاء .

وقول بعضهم : إنه على تقديرها ، مردود بأنها لا تحذف إلا لضرورة . وقول آخر : إن الضمير توكيد لا مبتدأ ، وأن ما بعده الجواب ، تعسف . وقول آخر : جوابها محذوف مدلول عليه بالجملة بعدها ، تكلف من غير ضرورة .

التالي السابق


الخدمات العلمية