الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " ثم يأتي من بعد ذلك عام " إن قيل : لم أشار إلى السنين وهي مؤنثة بـ " ذلك " ؟

                                                                                                                                                                                                                                      فعنه جوابان ذكرهما ابن القاسم :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أن السبع مؤنثة ، ولا علامة للتأنيث في لفظها ، فأشبهت المذكر ، كقوله : السماء منفطر به [المزمل :18] فذكر منفطرا لما لم يكن في السماء علم التأنيث ، قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها



                                                                                                                                                                                                                                      فذكر " أبقل " لما وصفنا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 234 ] والثاني : أن " ذلك " إشارة إلى الجدب ، وهذا قول مقاتل ، والأول قول الكلبي . قال قتادة : زاده الله علم عام لم يسألوه عنه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " فيه يغاث الناس " فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : يصيبهم الغيث ، قاله ابن عباس . والثاني : يغاثون بالخصب ، ذكره الماوردي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وفيه يعصرون " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم : " يعصرون " بالياء . وقرأ حمزة ، والكسائي بالتاء ، فوجها الخطاب إلى المستفتين .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله : " يعصرون " خمسة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : يعصرون العنب والزيت والثمرات ، رواه العوفي عن ابن عباس . وبه قال قتادة ، والجمهور .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : يعصرون بمعنى يحتلبون ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . وروى ابن الأنباري عن أبيه عن أحمد بن عبيد قال : تفسير " يعصرون " يحتلبون الألبان لسعة خيرهم واتساع خصبهم ، واحتج بقول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      فما عصمة الأعراب إن لم يكن لهم     طعام ولا در من المال يعصر



                                                                                                                                                                                                                                      أي : يحلب .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : ينجون ، وهو من العصر ، والعصر : النجاء ، والعصرة : المنجاة . ويقال : فلان في عصرة : إذا كان في حصن لا يقدر عليه ، قال الشاعر :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 235 ]

                                                                                                                                                                                                                                      صاديا يستغيث غير مغاث     ولقد كان عصرة المنجود



                                                                                                                                                                                                                                      أي : غياثا للمغلوب المقهور ، وقال عدي :


                                                                                                                                                                                                                                      لو بغير الماء حلقي شرق     كنت كالغصان بالماء اعتصاري



                                                                                                                                                                                                                                      والرابع : يصيبون ما يحبون ، روي عن أبي عبيدة أيضا أنه قال : المعتصر : الذي يصيب الشيء ويأخذه ، ومنه هذه الآية . ومنه قول ابن أحمر :


                                                                                                                                                                                                                                      فإنما العيش بريانه     وأنت من أفنانه معتصر



                                                                                                                                                                                                                                      والخامس : يعطون ويفضلون لسعة عيشهم ، رواه ابن الأنباري عن بعض أهل اللغة . وقرأ سعيد بن جبير : " يعصرون " بضم الياء وفتح الصاد . وقال الزجاج : أراد يمطرون من قوله : وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا [النبإ :14] .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية