الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                              جماع أبواب سراياه وبعوثه وبعض فتوحاته صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              الباب الأول في عدد سراياه وبعوثه ومعنى السرية وفيه نوعان

                                                                                                                                                                                                                              الأول : قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى : السرايا والبعوث ثمانيا وثلاثين وذكرها أبو عمر رحمه الله تعالى في أول الاستيعاب سبعا وأربعين . وذكرها محمد بن عمر رحمه الله تعالى ثمانيا وأربعين وأبو الفضل ستا وخمسين . ونقل المسعودي عن بعضهم أنها ستون .

                                                                                                                                                                                                                              وعلى ذلك جرى الحافظ أبو الفضل العراقي رحمه الله تعالى في ألفية السيرة ، وذكر فيها أن الإمام الحافظ محمد بن نصر أوصلها إلى السبعين ، وأن الإمام الحافظ أبا عبد الله الحاكم رحمه الله تعالى قال : إنه ذكر في الإكليل أنها فوق المائة . قال العراقي : ولم أجد هذا القول لأحد سواه . قال الحافظ رحمه الله تعالى : لعل الحاكم أراد بضم المغازي إليها .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : عبارة الحاكم كما رواها عنه ابن عساكر بعد أن روي عن قتادة أن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه كانت ثلاثا وأربعين . قال الحاكم : هكذا كتبناه . وأظنه أراد السرايا دون الغزوات ، فقد ذكرت في كتاب الإكليل على الترتيب بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه زيادة على المائة . قال : «وأخبرني الثقة من أصحابنا ببخارى أنه قرأ في كتاب أبي عبد الله محمد بن نصر السرايا والبعوث دون الحروب بنفسه نيفا وسبعين» . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              قال في البداية : وهذا الذي ذكره الحاكم غريب جدا ، وحمله كلام قتادة على ما قال ، فيه نظر فقد روى الإمام أحمد [عن أزهر بن القاسم الراسبي عن هشام الدستوائي] عن قتادة أن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه ثلاث وأربعون : أربعة وعشرون بعثا وتسع عشرة غزوة .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : والذي وقفت عليه من السرايا والبعوث لغير الزكاة يزيد على السبعين كما سيأتي بيان ذلك مفصلا إن شاء الله تعالى . [ ص: 4 ]

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في معنى السرية . قال ابن الأثير في النهاية : «السرية : الطائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو ، وجمعها سرايا ، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس . وقيل سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية ، وليس بالوجه لأن لام السر راء وهذه ياء . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الإمام شهاب الدين أحمد بن علي الشهير بابن خطيب الدهشة رحمه الله تعالى في كتابه المصباح : «السرية : قطعة من الجيش ، فعيلة بمعنى فاعلة؛ لأنها تسري في خفية ، والجمع سرايا وسريات؛ مثل عطية وعطايا وعطيات» انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              فقوله : «خفية» أحسن من قول من قال «سرا» لما ذكره ابن الأثير من أن لام السر راء وهذه ياء . وقال الحافظ : السرية : قطعة من الجيش تخرج منه وتعود إليه وهي من مائة إلى خمسمائة ، فما زاد على خمسمائة ، يقال له : منسر؛ بالنون والسين المهملة؛ أي بفتح الميم وكسر السين وبعكسهما . فإن زاد على الثمانمائة سمي جيشا ، وما بينهما يسمى هيضلة ، فإن زاد على أربعة آلاف سمي جحفلا بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الفاء ، فإن زاد فجيش جرار ، بفتح الجيم وبراءين مهملتين الأولى مشددة . والخميس؛ أي بلفظ اليوم : الجيش العظيم . وما افترق من السرية يسمى بعثا . فالعشرة فما بعدها حضيرة . والأربعون عصبة ، وإلى ثلاثمائة مقنب بقاف ونون موحدة أي بكسر الميم وسكون القاف وفتح النون . فإن زاد سمي جمرة بجيم مفتوحة وسكون الميم . والكتيبة- بفتح الكاف فتاء مكسورة وتحتية ساكنة فموحدة فتاء تأنيث- ما اجتمع ولم ينتشر ، انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خير الأصحاب أربعة ، وخير السرايا أربعمائة ، وخير الجيوش ، أربعة آلاف ، وما هزم قوم بلغوا اثني عشر ألفا من قلة إذا صدقوا وصبروا» . رواه أبو يعلى وابن حبان وأبو داود والترمذي ، دون قوله «إذا صدقوا وصبروا» . [ ص: 5 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية