الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 21 ] القول في تأويل قوله ( أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم " ، " فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم " " إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق " أو : إلا الذين جاءوكم منهم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم فدخلوا فيكم .

ويعني بقوله : حصرت صدورهم ، ضاقت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو أن يقاتلوا قومهم .

والعرب تقول لكل من ضاقت نفسه عن شيء من فعل أو كلام : "قد حصر" ، ومنه "الحصر" في القراءة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

10072 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " أو جاءوكم حصرت صدورهم " ، يقول : رجعوا فدخلوا فيكم" حصرت صدورهم " ، يقول : ضاقت صدورهم" أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم " . [ ص: 22 ]

وفي قوله : " أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم " ، متروك ، ترك ذكره لدلالة الكلام عليه . وذلك أن معناه : أو جاءوكم قد حصرت صدورهم ، فترك ذكر "قد" ، لأن من شأن العرب فعل مثل ذلك : تقول : "أتاني فلان ذهب عقله" ، بمعنى : قد ذهب عقله . ومسموع منهم : "أصبحت نظرت إلى ذات التنانير" ، بمعنى : قد نظرت . ولإضمار "قد" مع الماضي ، جاز وضع الماضي من الأفعال في موضع الحال ، لأن "قد" إذا دخلت معه أدنته من الحال ، وأشبهت الأسماء .

وعلى هذه القراءة أعني "حصرت" ، قراءة القرأة في جميع الأمصار ، وبها يقرأ لإجماع الحجة عليها .

وقد ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك : ( أو جاءوكم حصرة صدورهم ) ، نصبا ، وهي صحيحة في العربية فصيحة ، غير أنه غير جائزة القراءة بها عندي ، لشذوذها وخروجها عن قراءة قرأة الإسلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية