الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 370 ] 135 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام أنه قال : لا يدخل الجنة ولد زنية

911 - حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا المقدمي ، حدثنا فضيل بن سليمان النميري ، حدثنا الحسن بن عمرو ، عن مجاهد قال : نزلت على عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد فاحتبس ذات ليلة ثم جاء ، فقال : أعشيتم ضيفكم قالوا : انتظرناك قال : شغلني أبو هريرة ، ثكلت منبوذا أمه إن كان ما يقول أبو هريرة حقا ! قلت : وما حدثك قال : حدثني ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا يدخل الجنة ولد زنية } .

[ ص: 371 ]

912 - وحدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، حدثنا يوسف بن موسى القطان ، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء ، حدثنا الحسن بن عمرو ، عن مجاهد قال : ثكلت منبوذا أمه إن كان ما قال أبو هريرة حقا ! قلت له : ماذا قال ؟ قال : قال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يدخل الجنة ولد زنية } .

913 - حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، حدثنا يوسف بن عدي ، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، عن الحسن بن عمرو ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن أبي ذباب قال : قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يدخل الجنة ولد زنى } .

[ ص: 372 ] فتأملنا ما في هذا الحديث إذ كان ما فيه مضافا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذ كان مما قد سأل عنه من سأل عما في الحديث الأول الذي ذكرناه في الباب الذي قبل هذا الباب .

فكان ما في هذا الحديث عندنا ، والله أعلم ، أريد به من تحقق بالزنى حتى صار غالبا عليه فاستحق بذلك أن يكون منسوبا إليه فيقال هو ابن له ، كما ينسب المتحققون بالدنيا إليها ، فيقال لهم : بنو الدنيا لعملهم لها وتحققهم بها وتركهم ما سواها ، وكما قد قيل للمتحقق بالحذر ابن أحذار ، وللمتحقق بالكلام ابن أقوال ، وكما قيل للمسافر ابن سبيل ، وكما قيل للمقطوعين عن أموالهم لبعد المسافة بينهم وبينها أبناء السبيل ، كما قال تعالى في أصناف أهل الزكاة : إنما الصدقات للفقراء ... حتى ذكر فيهم ابن السبيل ، وكما قال بدر بن حزاز للنابغة :


أبلغ زيادا وخير القول أصدقه فلو تكيس أو كان ابن أحذار

[ ص: 373 ] أي لو كان حذرا وذا كيس ، وكما يقال فلان ابن مدينة للمدينة التي هو متحقق بها ، ومنه قول الأخطل :


ربت وربا في حجرها ابن مدينة     يظل على مسحاته يتركل

فمثل ذلك ابن زنية ، قيل لمن قد تحقق بالزنى حتى صار بتحققه به منسوبا إليه وصار الزنى غالبا عليه أنه لا يدخل الجنة بهذه المكان التي فيه ، ولم يرد به من كان ليس من ذوي الزنى الذي هو مولود من الزنى وهذا أشبه بمعنى هذا الحديث للمعاني التي ذكرناها في مثله في الباب الذي قبل هذا الباب .

وقد روي هذا الحديث بغير هذا اللفظ فمر فيه مكان " ابن زنية " : ولد زنية .

914 - كما حدثنا أبو أمية ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا شيبان يعني النحوي ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابان ، عن عبد الله بن عمرو يرفع الحديث إلى النبي عليه السلام قال : { لا يدخل الجنة ولد زنية } .

[ ص: 374 ]

915 - وكما حدثنا أبو أمية ، حدثنا محمد بن سابق ، حدثنا أبو إسرائيل ، عن منصور ، عن أبي الحجاج ، عن مولى لأبي قتادة ، عن أبي قتادة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يدخل الجنة عاق لوالديه ، ولا منان ، ولا ولد زنية ، ولا مدمن خمر } .

ففيما روينا في هذا الفصل من هذه الأحاديث ما دل أنه قد يقال ولد زنية للمتحقق بالزنى كما يقال ابن زنية للمتحقق بالزنى ، وإذا [ ص: 375 ] كان ذلك كذلك كان ما في حديث أبي هريرة الذي رويناه في هذا الباب الذي قبل هذا الباب من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ولد الزنى شر الثلاثة ، يحتمل أن يكون على من يغلب الزنى عليه ، فيكون بذلك شرا ممن سواه ممن ليس كذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية