الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2144 باب نسخ التحلل من الإحرام، والأمر بالتمام

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب جواز تعليق الإحرام. وهو: أن يحرم بإحرام كإحرام فلان. فيصير محرما بإحرام مثل إحرام فلان).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 200 - 201 ج8 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [وحدثنا محمد بن المثنى. ، حدثنا عبد الرحمن (يعني: ابن مهدي). ، حدثنا سفيان ، عن قيس، ، عن طارق بن شهاب، ، عن أبي موسى (رضي [ ص: 295 ] الله عنه) قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو منيخ بالبطحاء ). فقال: "بم أهللت؟" قال: قلت: أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم. قال: "هل سقت من هدي؟" قلت: لا. قال: "فطف بالبيت وبالصفا والمروة. ثم حل". فطفت بالبيت، وبالصفا والمروة. ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي. فكنت أفتي الناس بذلك (في إمارة أبي بكر، وإمارة عمر ). فإني لقائم بالموسم، إذ جاءني رجل فقال: إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك؛ فقلت: أيها الناس! من كنا أفتيناه بشيء فليتئد. فهذا أمير المؤمنين قادم عليكم. فبه فأتموا. فلما قدم قلت: يا أمير المؤمنين! ما هذا الذي أحدثت في شأن النسك؟ قال: إن نأخذ بكتاب الله، فإن الله عز وجل قال: وأتموا الحج والعمرة لله . وإن نأخذ بسنة نبينا عليه الصلاة والسلام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى نحر الهدي ].

                                                                                                                              [ ص: 296 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 296 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وهو منيخ بالبطحاء . فقال: "بم أهللت؟" قال: قلت: أهللت بإهلال النبي -صلى الله عليه وسلم -) .

                                                                                                                              "فيه": جواز تعليق الإحرام. فإذا قال: أحرمت بإحرام كإحرام زيد، صح إحرامه. وكان إحرامه كإحرامه.

                                                                                                                              فإن كان محرما بحج، أو بعمرة، أو قارنا، كان المعلق مثله.

                                                                                                                              وإن كان زيد أحرم مطلقا، كان المعلق مطلقا.

                                                                                                                              ولا يلزمه أن يصرف إحرامه إلى ما يصرف زيد إحرامه إليه. فلو صرف زيد إحرامه إلى حج، كان للمعلق صرف إحرامه إلى عمرة. وكذا عكسه.

                                                                                                                              قال في (نيل الأوطار): وأما مطلق الإحرام على الإبهام ، فهو جائز. ثم يصرفه المحرم إلى ما شاء. لكونه -صلى الله عليه وسلم - لم ينه عن ذلك.

                                                                                                                              وإلى ذلك ذهب الجمهور.

                                                                                                                              [ ص: 297 ] وعن المالكية : لا يصح الإحرام على الإبهام. وهو قول الكوفيين .

                                                                                                                              قال ابن المنير : وكأنه مذهب البخاري ؛ لأنه أشار إلى هذين الحديثين؛ يعني: حديث علي في هذا الباب، وحديث أبي موسى .

                                                                                                                              هذا، إلى أن ذلك خاص بذلك الزمن. وأما الآن، فقد استقرت الأحكام، وعرفت مراتب الإحرام. فلا يصح ذلك.

                                                                                                                              قال الشوكاني : وهذا الخلاف يرجع إلى قاعدة أصولية، وهي: هل يكون خطابه -صلى الله عليه وسلم - لواحد، أو لجماعة مخصوصة: في حكم الخطاب العام للأمة؟ أو لا؟.

                                                                                                                              فمن ذهب إلى الأول، جعل حديث علي وأبي موسى : شرعا عاما. ولم يقبل دعوى الخصوصية إلا بدليل.

                                                                                                                              ومن ذهب إلى الثاني، قال: إن هذا الحكم مختص بهما. والظاهر: الأول. انتهى.

                                                                                                                              (قال: "هل سقت من هدي؟" قلت: لا. قال: "فطف بالبيت ، وبالصفا والمروة . ثم حل") .

                                                                                                                              معناه: أنه صار كالنبي -صل الله عليه وسلم -. وتكون وظيفته: أن يفسخ حجه إلى عمرة. فيأتي بأفعالها. وهي الطواف والسعي والحلق. فإذا فعل ذلك، صار حلالا وتمت عمرته.

                                                                                                                              [ ص: 298 ] وإنما لم يذكر (الحلق) هنا، لأنه كان مشهورا عندهم.

                                                                                                                              ويحتمل: أنه داخل في قوله: (ثم حل).

                                                                                                                              (فطفت بالبيت ، وبالصفا والمروة . ثم أتيت امرأة من قومي) .

                                                                                                                              هذا محمول على: أن هذه المرأة كانت محرما له.

                                                                                                                              (فمشطتني. وغسلت رأسي. فكنت أفتي الناس بذلك، في إمارة أبي بكر ، وإمارة عمر ) ، رضي الله عنهما.

                                                                                                                              (فإني لقائم بالموسم، إذ جاءني رجل فقال: إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك؟ فقلت: أيها الناس! من كنا أفتيناه بشيء، فليتئد. فهذا أمير المؤمنين قادم عليكم. فبه فائتموا. فلما قدم قلت: يا أمير المؤمنين! ما هذا الذي أحدثت في شأن النسك؟ قال: إن نأخذ بكتاب الله، فإن الله عز وجل قال: وأتموا الحج والعمرة لله . وإن نأخذ بسنة نبينا عليه الصلاة والسلام، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم - لم يحل حتى نحر الهدي) .

                                                                                                                              قال عياض : ظاهر كلام عمر هذا؛ (إنكار فسخ الحج إلى العمرة [ ص: 299 ] وأن نهيه عن التمتع، إنما هو من باب: (ترك الأولى) ، لا أنه منع ذلك منع تحريم وإبطال.

                                                                                                                              ويؤيد هذا قوله بعد هذا: (قد علمت: أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قد فعله وأصحابه. لكن كرهت: أن يظلوا معرسين بهن في الأراك) .

                                                                                                                              أي: كرهت (التمتع)، لأنه يقتضي التحلل، ووطء النساء، إلى حين الخروج إلى ( عرفات ). انتهى.

                                                                                                                              وأقول: لا حجة في فهمه (رضي الله عنه) هذا، ولا فيما أمر به من النهي عن التمتع. وإنما الحجة في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                              فالقول بالتمتع، وفسخ الحج إلى العمرة: ثابت مبرهن في محله. لا يعتريه معارض. ولا دليل مساويا له، فضلا عن مقدم عليه.

                                                                                                                              وفعله -صلى الله عليه وسلم - بيان لمجمل القرآن. فلا يتم الاستدلال بآية الإتمام.




                                                                                                                              الخدمات العلمية