الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة ست وثمانين ومائة

فمن الحوادث فيها :

خروج علي بن عيسى بن ماهان من مرو لحرب أبي الخصيب إلى نسا ، فقتل بها ، وسبي نساؤه وذراريه ، فاستقامت خراسان .

وفيها : حبس الرشيد ثمامة بن أشرس لوقوفه على كذبه في أمر أحمد بن عيسى بن زيد .

وكانت ببغداد رجفة شديدة بين المغرب والعشاء في رمضان .

وفيها : حج الرشيد ، وكان شخوصه من الرقة في رمضان ، فمر بالأنبار ، ولم يدخل مدينة السلام ، ولكنه نزل منزلا على شاطئ الفرات ، وأخرج معه ابنيه الأمين والمأمون ، فبدأ بالمدينة ، فأعطى أهلها ثلاث عطيات ، وبدأ بنفسه ، فنودي باسمه ، فأخذ ثلاث أعطيات فوضعها بين يديه ، وفعل ذلك بالأمين والمأمون ، ثم ببني هاشم ، ثم بالناس بعدهم ، ثم صار إلى مكة فأعطى أهلها عطاءين ، فبلغ ذلك ألف ألف دينار وخمسين ألف دينار ، وكان عقد لابنه محمد ولاية العهد في يوم الخميس في شعبان سنة ثلاث وسبعين ، وسماه الأمين ، وضم إليه الشام والعراق في سنة خمس وسبعين . ثم بايع للمأمون في سنة ثلاث وثمانين ، وولاه من حد همذان إلى آخر المشرق .

[ ص: 111 ] أخبرنا ابن ناصر قال : أخبرنا الحميدي قال : أخبرنا أبو غالب أبو غالب بن بشران قال : أخبرنا أبو الحسين بن دينار قال : حدثنا أبو علي الطوماري قال : حدثنا أبو بكر بن الجنيد قال : حدثني الحسين بن الصباح الزعفراني قال : لما قدم الشافعي إلى بغداد وافق عقد الرشيد للأمين ، والمأمون على العهد . قال : فبكر الناس لتهنئة الرشيد ، فجلسوا في دار العامة ينتظرون الإذن ، فجعل الناس يقولون : كيف ندعو لهما ، فإنا إذا فعلنا ذلك كان دعاء على الخليفة وإن لم ندع لهما كان تقصيرا ، فدخل الشافعي ، فجلس ، فقيل له في ذلك ، فقال : الله الموفق ، فلما أذن دخل الناس ، فكان أول متكلم الشافعي فقال :


لا قصرا عنها ولا بلغتهما حتى تطول على يديك طوالها



قال علماء السير : وكان القاسم بن الرشيد في حجر عبد الملك بن صالح ، فلما بايع الرشيد للأمين والمأمون ، كتب إليه عبد الملك :


يا أيها الملك الذي     لو كان نجما كان سعدا
اعقد لقاسم بيعة     واقدح له في الناس زندا
الله فرد واحد     فاجعل ولاة العهد فردا



فكان ذلك أول ما حض الرشيد على البيعة للقاسم ، فبايع له وسماه المؤتمن ، وولاه الجزيرة والثغور والعواصم .

فلما قسم الأرض بين أولاده الثلاثة قال بعض الناس : قد أحكم الملك . وقال بعضهم : بل ألقى بأسهم بينهم ، وعاقبة ما صنع مخوفة على الرعية .

[ ص: 112 ] وحج هارون ومعه أبناؤه ووزراؤه ، وقواده ، وقضاته في سنة ست وثمانين ، وخلف بالرقة إبراهيم بن عثمان بن نهيك العكي ، وعلى الحرم ، والخزائن ، والأموال والعسكر وأشخص القاسم ابنه إلى منبج ، فأسكنه إياها ، ثم ضم [إليه ] من القواد والجند ، فلما قضى مناسكه كتب إلى المأمون ابنه كتابين أجهد الفقهاء والقضاة آراءهم فيهما ، أحدهما : على محمد الأمير بما اشترط عليه من الوفاء بتسليم ما ولي عبد الله من الأعمال ، وصير له من الضياع والغلات والجوهر والأموال . والآخر : نسخة البيعة التي أخذها على الخاصة والعامة والشروط لعبد الله على محمد وعليهم ، وحضر في الكعبة ، وأحضر [وجوه ] بني هاشم والقواد والفقهاء ، وقرأ الكتاب على الأمين والمأمون ، وأشهد عليهما جميع من حضر من سائر ولده وأهل بيته ومواليه ووزرائه وقواده وكتابه وغيرهم ، ثم رأى أن يعلق الكتاب في الكعبة ، فلما رفع ليعلق سقط .

وقد روى إبراهيم بن عبد الله الحجبي عن أبيه قال : لما رفع الكتاب ليعلق بسقف الكعبة سقط قبل أن يعلق ، فقلت في نفسي : هذا أمر سريع انتقاضه . وتقدم إلى الحجبة في حفظ الكتابين ومنع من أراد إخراجهما .

وكانت نسخة الكتاب : "هذا كتاب لعبد الله هارون أمير المؤمنين [كتبه محمد بن هارون أمير المؤمنين ] في صحة عقله وجواز [من ] أمره طائعا غير مكره أن أمير المؤمنين ولاني العهد من بعده وصير البيعة لي في رقاب المسلمين ، وولى عبد الله بن [ ص: 113 ] هارون [أمير المؤمنين ] العهد والخلافة ، وجميع أمور المسلمين بعدي ، برضا مني وتسليمه طائعا غير مكره ، وولاه خراسان وثغورها ، وكورها ، وحربها ، وجندها ، وخراجها ، وبيوت أموالها ، [وصدقاتها ، وعشرها ، وجميع أعمالها في حياته وبعده ، وشرطت لعبد الله هارون أمير المؤمنين برضا مني وطيب نفسي أن لأخي عبد الله بن هارون علي الوفاء بما عقد له هارون أمير المؤمنين من العهد والولاية والخلافة وأمور المسلمين جميعا بعدي ، وتسليم ذلك له ، وما جعل له من ولاية خراسان ] وأعمالها كلها ، وما أقطعه أمير المؤمنين من قطيعته أو جعل له من عقده أو ضيعة من ضياعه ، وابتاع من الضياع والعقد وما أعطاه في حياته وصحته من مال أو حلي أو جوهر ، أو متاع ، أو كسوة ، أو منزل ، أو دواب ، أو قليل ، أو كثير ، فهو لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين موفرا مسلما إليه ، وقد عرفت ذلك كله شيئا فشيئا ، فإن حدث بأمير المؤمنين الموت ، وأفضت الخلافة إلى محمد ابن أمير المؤمنين ، فعلى محمد إنفاذ ما أمر به هارون أمير المؤمنين في تولية عبد الله بن هارون أمير المؤمنين خراسان وثغورها من لدن الري إلى أقصى خراسان ليس لمحمد ابن أمير المؤمنين أن يحول عنه قائدا ولا راجلا واحدا ممن ضم إليه من أصحابه الذين ضمهم إليه أمير المؤمنين ، ولا يحول عبد الله ابن أمير المؤمنين من ولايته التي ولاها إياه هارون [أمير المؤمنين ] من ثغور خراسان وأعمالها كلها بندارا ولا عاملا ، ولا يدخل عليه في صغير من أمره ولا كبير ضرارا ، ولا يحول بينه وبين العمل في ذلك كله برأيه وتدبيره ، ولا يعرض [ ص: 114 ] لأحد ممن ضم إليه أمير المؤمنين من أهل بيته وصحابته ، وقضاته ، وعماله ، وكتابه ، وخدمه ، ومواليه ، وجنده بما يلتمس إدخال الضرر والمكروه عليهم في أنفسهم ، ولا قرابتهم ، ولا مواليهم ، ولا أموالهم ، ولا في ضياعهم ودورهم ورباعهم ورقيقهم ، ولا أحد من الناس بأمره ورأيه يترخص له في ذلك ولا ينزع إليه أحد ممن ضم أمير المؤمنين عبد الله ابن أمير المؤمنين وأهل بيت أمير المؤمنين ، وصحابته وعماله وخدمه وجنده ، ورفض اسمه [ومكتبه ] ومكانه مع عبد الله ، عاصيا له أو مخالفا ، فعلى محمد ابن أمير المؤمنين رده إلى عبد الله ابن أمير المؤمنين بصغر له وقماء حتى ينفذ رأيه وأمره .

فإن أراد محمد ابن أمير المؤمنين خلع عبد الله ابن أمير المؤمنين من ولاية خراسان وثغورها وأعمالها ، أو صرف أحد من قواده الذين ضمهم إليه أمير المؤمنين أو أن ينتقصه قليلا أو كثيرا مما جعله أمير المؤمنين له بوجه من الوجوه ، أو بحيلة من الحيل ، فلعبد الله بن هارون أمير المؤمنين الخلافة بعد أمير المؤمنين ، وهو المقدم على محمد ابن أمير المؤمنين وهو ولي الأمر بعد أمير المؤمنين والطاعة من جميع قواد أمير المؤمنين هارون من أهل خراسان وجميع المسلمين في جميع الأمصار لعبد الله ابن أمير المؤمنين ، والقيام معه ، والمجاهدة لمن خالفه ، والذب عنه ، ما كانت الحياة في أبدانهم . وليس لأحد منهم أن يخالفه أو يعصيه ، ولا يخرج من طاعته ، ولا يطيع محمد ابن أمير المؤمنين في خلع عبد الله بن هارون أمير المؤمنين ، وصرف العهد عنه من بعده إلى غيره أو ينتقصه شيئا مما جعله له أمير المؤمنين هارون في حياته وصحته .

واشترط في كتابه الذي كتبه عليه في البيت الحرام وفي كتابه هذا . وعبد الله ابن أمير المؤمنين المصدق في قوله ، وأنتم في حل من البيعة التي في أعناقكم لمحمد [ ص: 115 ] ابن أمير المؤمنين ، وعلى محمد بن أمير المؤمنين أن ينقاد لعبد الله ابن أمير المؤمنين ، ويسلم له الخلافة .

وليس لمحمد ولا لعبد الله أن يخلعا القاسم ابن أمير المؤمنين ، ولا يقدما عليه أحدا من أولادهما وقراباتهما ولا غيرهم من جميع البرية ، فإذا أفضت الخلافة إلى عبد الله ابن أمير المؤمنين فالأمر إليه في إمضاء ما جعله أمير المؤمنين من العهد للقاسم بعده ، أو صرف ذلك عنه إلى من رأى من ولده وإخوته ، وتقديم من أراد أن يقدم قبله ، يحكم في ذلك بما أحب وأراد ، فعليكم معشر المسلمين إنفاذ ما كتبه أمير المؤمنين في كتابه هذا وشرط ، وعليكم السمع والطاعة لأمير المؤمنين فيما ألزمكم لعبد الله ابن أمير المؤمنين ، وعهد الله وذمته وذمم المسلمين والعهود والمواثيق التي أخذ الله على الملائكة المقربين والمرسلين والنبيين ، ووكدها في أعناق المؤمنين ليقرب لعبد الله ابن أمير المؤمنين بما سمى ، ولمحمد ، وعبد الله ، والقاسم بني أمير المؤمنين بما سمى ، وكتب في كتابه هذا واشترط عليكم ، فبرئت منك ذمة الله ، وذمة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وذمم المسلمين ، وكل مال هو اليوم لكل رجل منكم أو يستفيده إلى خمسين سنة فهو صدقة على المساكين ، وعلى كل رجل منكم المشي إلى بيت الله الحرام الذي بمكة خمسين حجة نذرا واجبا لا يقبل الله منه إلا الوفاء بذلك ، وكل مملوك لأحد منكم - أو يملكه فيما يستقبل إلى خمسين سنة - حر ، وكل امرأة له فهي طالق ثلاثا ألبتة طلاق الحرج ، لا مثنوية لذلك فيها ، والله عليكم بذلك كفيل ، وكفى بالله حسيبا .

ونسخة الشرط الذي كتبه عبد الله ابن أمير المؤمنين [بخط يده في الكعبة :

هذا كتاب لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين ] كتبه له عبد الله بن هارون أمير [ ص: 116 ] المؤمنين في صحة من عقله وجواز أمر من أمره ، وصدق نية ، فيما كتبه في كتابه هذا ، ومعرفة بما فيه من الفضل والصلاح له ولأهل بيته وجماعة المسلمين أن أمير المؤمنين هارون ولاني العهد والخلافة وجميع أمور المسلمين بعد أخي محمد بن هارون ، وولاني في حياته ثغور خراسان وكورها ، وجميع أعمالها ، وشرط على محمد بن هارون الوفاء بما عقد لي من الخلافة وولاية العباد والبلاد بعده وولاية خراسان وجميع أعمالها ، ولا يعرض لي في شيء مما أقطعني أمير المؤمنين ، أو ابتاع لي من الضياع والعقد والرباع ، أو ابتعت منه من ذلك ، وما أعطاني أمير المؤمنين من الأموال والجواهر والكساء والمتاع والدواب والرقيق وغير ذلك ، فلا يعرض لي ولا لأحد من عمالي وكتابي بسبب محاسبة ، ولا يتبع لي في ذلك ولا لأحد منهم أبدا ، ولا يدخل علي ولا عليهم ولا على من كان معي ممن استعنت به من جميع الناس مكروها في نفسي ولا دم ، ولا شعر ، ولا بشر ولا مال ، ولا صغير ولا كبير . فأجابه إلى ذلك وأقر به ، وكتب له كتابا أكد فيه على نفسه ورضي به أمير المؤمنين ، وقبله فشرطت لأمير المؤمنين ، وجعلت له على نفسي أن أسمع وأطيع لمحمد ، ولا أعصيه ، وأنصحه ولا أغشه ، وأوفي ببيعته وولايته ، ولا أغدر ، ولا أنكث ، وأنفذ كتبه وأوامره ، وأحسن مؤازرته ، وجهاد عدوه في ناحيتي ، ما وفى لي على ما شرط لأمير المؤمنين في أمري ، وسمى في الكتاب الذي كتبه لأمير المؤمنين ، فإن احتاج محمد إلى جند وكتب إلي يأمرني بإشخاصه إليه ، أو إلى ناحية من النواحي ، أو عدو خالفه وأراد نقض شيء من سلطانه أو سلطاني الذي أسنده أمير المؤمنين إلينا أن أنفذ أمره ولا أخالفه ، ولا أقصر في شيء كتب به إلي ، وإن أراد محمد أن يولي رجلا من ولاة العهد [ ص: 117 ] والخلافة بعدي ، فذلك له ما وفى لي بما جعله لي أمير المؤمنين واشترط لي عليه ، وعلي إنفاذ ذلك والوفاء له به ولا أنقض ذلك ولا أبدله ، ولا أقدم قبله أحدا من ولدي ، ولا قريبا ولا بعيدا من الناس ، إلا أن يولي أمير المؤمنين هارون أحدا من ولده العهد بعدي فيلزمني ومحمدا الوفاء له .

وجعلت لأمير المؤمنين ولمحمد الوفاء لي بما شرطت وسميت في كتابي هذا ، ما وفى لي محمد بجميع ما اشترط لي أمير المؤمنين عليه في نفسي ، وما أعطاني أمير المؤمنين من جميع الأشياء المسماة في هذا الكتاب الذي كتبه له ، وعلي عهد الله وميثاقه وذمة أمير المؤمنين وذمتي وذمم آبائي وذمم المسلمين وأشد ما أخذ الله على ميثاقه على النبيين والمرسلين من خلقه ، من عهوده ومواثيقه ، والأيمان المؤكدة التي أمر الله الوفاء بها ، ونهى عن نقضها وتبديلها ، وإن أنا نقضت شيئا مما شرطت وسميت في كتابي هذا ، أو غيرت أو بدلت ، أو نكثت أو غدرت ، فبرئت من الله ومن ولايته ودينه ، ومحمد رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولقيت الله يوم القيامة كافرا مشركا ، وكل امرأة هي لي اليوم ، أو أتزوجها إلى ثلاثين سنة طالق ثلاثا ألبتة [طلاق الحرج ، وكل مملوك هو لي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة أحرار لوجه الله ، وعلي المشي إلى بيت الله الحرام الذي بمكة ثلاثين حجة ، نذرا واجبا علي في عنقي حافيا راجلا ، لا يقبل الله مني إلا الوفاء بذلك ، وكل مال لي أو أملكه إلى ثلاثين سنة ] هدي بالغ الكعبة ، وكل ما جعلت لأمير المؤمنين وشرطت في كتابي هذا لازم لا أضمر غيره ، ولا أنوي غيره . وشهد سليمان ابن أمير المؤمنين وفلان وفلان . وكتب في ذي الحجة سنة سبع وثمانين ومائة .

وكان في نسخة الكتاب الذي كتبه هارون إلى العمال : [ ص: 118 ] أما بعد ، فإن الله ولي أمير المؤمنين ، وولي ما ولاه ، والحافظ لما استرعاه وأكرمه به من خلافته وسلطانه والصانع له فيما قدم وأخر من أموره ، والمنعم عليه بالنصر والتأييد في مشارق الأرض ومغاربها ، والكالئ والحافظ والكافي من جميع خلقه ، وهو المحمود على جميع آلائه ، والمسئول تمام حسن ما مضى من قضائه لأمير المؤمنين ، وعادته الجميلة عنده ، وإلهام ما يرضى به ، ويوجب له عليه أحسن المزيد من فضله .

ولم يزل أمير المؤمنين منذ اجتمعت الأمة على عقد العهد لمحمد ابن أمير المؤمنين [من ] بعد أمير المؤمنين ، ولعبد الله ابن أمير المؤمنين من بعد محمد ، يعمل رأيه ونظره ورويته فيما فيه الصلاح لهما ولجميع الرعية والجمع للكلمة ، واللم للشعث ، والحسم لكيد أعداء النعم من أهل الكفر والنفاق والغل ، والقطع لآمالهم من كل فرصة يرجون إدراكها وانتهازها ، ويستخير الله في ذلك ويسأله العزيمة له على ما فيه الخيرة لهما ولجميع الأمة .

فعزم الله لأمير المؤمنين على الشخوص بهما إلى بيت الله الحرام ، وأخذ البيعة منهما لأمير المؤمنين بالسمع والطاعة والانقياد لأمره ، واكتتاب الشرط على كل واحد منهما لأمير المؤمنين ولهما بأشد المواثيق والعهود وأغلظ الأيمان والتوكيد ، وأخذ لكل واحد منهما على صاحبه بما التمس به أمير المؤمنين اجتماع ألفتهما ومودتهما [ ص: 119 ] وتواصلهما ومكانفتهما على حسن النظر لأنفسهما ولرعية أمير المؤمنين التي استرعاهما .

فلما قدم مكة أظهر لمحمد وعبد الله رأيه في ذلك ، وما نظر فيه لهما ، فقبلا ما دعاهما إليه ، وكتبا لأمير المؤمنين في بطن بيت الله الحرام بخطوطهما ، بمحضر ممن شهد الموسم وأهل بيت أمير المؤمنين وقواده وقضاته وحجبة الكعبة وشهاداتهم عليهما كتابين استودعهما أمير المؤمنين الحجبة ، وأمر بتعليقهما في داخل الكعبة .

فلما فرغ أمير المؤمنين من ذلك أمر قضاته الذين شهدوا عليهما ، وحضروا كتابيهما ، أن يعلموا جميع من حضر الموسم من الحاج والعمار ووفود الأمصار ما شهدوا عليه من شرطهما وكتابيهما ليعرفوا ذلك ويؤدوه إلى إخوانهم وأهل بلدانهم . ففعلوا ، وقرئ عليهم الشرطان جميعا في المسجد الحرام ، فانصرفوا . وقد اشتهر علم ذلك عندهم فأثبتوا الشهادة عليه ، وعرفوا نظر أمير المؤمنين لصلاحهم وحقن دمائهم ، ولم شعثهم وإطفاء جمرة أعداء الله ، وأعداء دينه .

وقد نسخ أمير المؤمنين ذينك الشرطين اللذين كتبهما محمد وعبد الله في أسفل كتابه هذا .

وكتب إسماعيل بن صبيح يوم السبت لسبع ليال بقين من المحرم سنة ثمان وثمانين ومائة .

وأمر هارون الرشيد للمأمون بمائة ألف درهم حملت له من الرقة إلى بغداد .

[ ص: 120 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية