الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم

هذا ابتداء احتجاج عليهم بحجة أخرى، وجملتها أن وقفوا على الخالق المخترع، [ ص: 397 ] فإذا قالوا إنه الله; لم يبق لهم في الأصنام غرض إلا أن يقولوا: إنها تضر وتنفع، فلما تقعد من قولهم إن الله هو الخالق قيل لهم: أفرأيتم هؤلاء إذا أراد الله أمرا، أبهم قدرة على نقضه؟ وحذف الجواب عن هذا، لأنه من البين أنه لا يجيب أحد; إلا أنه لا قدرة للأصنام على شيء من ذلك. وقرأ: "إن أرادني" بياء مفتوحة جمهور القراء والناس، وقرأ الأعمش : [إن أرادن الله] بحذف الياء في الوصل، وروى خارجة بغير ياء أصلا. وقرأ جمهور القراء، والأعرج ، وأبو جعفر ، والأعمش ، وعيسى ، وابن وثاب : "كاشفات ضره" بالإضافة، وقرأ أبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم : [كاشفات ضره] بالتنوين ونصب [ضره]، وهي قراءة شيبة، والحسن ، وعيسى - بخلاف عنه - وعمرو بن عبيد ، وهذا هو الوجه فيما لم يقع بعد، وكذلك الخلاف في ممسكات رحمته .

ثم أمره تعالى بأن يصدع بالاتكال على الله تعالى، وأنه حسبه من كل شيء ومن كل ناصر. ثم أمره بتوعدهم في قوله: اعملوا على مكانتكم ، أي: على ما رأيتموه متمكنا لكم، وعلى حالتكم التي استقر رأيكم عليها. وقرأ الجمهور: "مكانتكم" بالإفراد، وقرأها بالجمع: الحسن وعاصم . وقوله: "اعملوا" لفظ بمعنى الوعيد، و"العذاب المخزي": هو عذاب الدنيا يوم بدر وغيره، "والعذاب المقيم" هو عذاب الآخرة.

التالي السابق


الخدمات العلمية