الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وفي الأرض قطع متجاورات " فيها قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أنها الأرض السبخة ، والأرض العذبة ، تنبت هذه ، وهذه إلى جنبها لا تنبت ، هذا قول ابن عباس ، وأبي العالية ، ومجاهد ، والضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنها القرى المتجاورات ، قاله قتادة ، وابن قتيبة ، وهو يرجع إلى معنى الأول .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وزرع ونخيل " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم : " وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان " رفعا في الكل . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : " وزرع ونخيل صنوان [ ص: 303 ] وغير صنوان " خفضا في الكل . قال أبو علي : من رفع ، فالمعنى : وفي الأرض قطع متجاورات وجنات ، وفي الأرض زرع ، ومن خفض حمله على الأعناب ، فالمعنى : جنات من أعناب ، ومن زرع ، ومن نخيل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " صنوان وغير صنوان " هذا من صفة النخيل . قال الزجاج : الصنوان : جمع صنو وصنو ، ومعناه : أن يكون الأصل واحدا وفيه النخلتان والثلاث والأربع . وكذلك قال المفسرون : الصنوان : النخل المجتمع وأصله واحد ، وغير صنوان : المتفرق . وقرأ أبو رزين ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وابن جبير ، وقتادة : " صنوان " بضم الصاد . قال الفراء : لغة أهل الحجاز " صنوان " بكسر الصاد ، وتميم وقيس يضمون الصاد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " تسقى بماء واحد " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو " تسقى " بالتاء ، " ونفضل " بالنون . وقرأ حمزة ، والكسائي ، " تسقى " بالتاء أيضا ، لكنهما أمالا القاف . وقرأ الحسن " ويفضل " بالياء . وقرأ عاصم ، وابن عامر " يسقى " بالياء ، " ونفضل " بالنون ، وكلهم كسر الضاد . وروى الحلبي عن عبد الوارث ضم الياء من " يفضل " وفتح الضاد ، " بعضها " برفع الضاد . وقال الفراء : من قرأ " تسقى " بالتاء ذهب إلى تأنيث الزرع ، والجنات ، والنخيل ، ومن كسر ذهب إلى النبت ، وذلك كله يسقى بماء واحد ، وأكله مختلف حامض وحلو ، ففي هذا آية . قال المفسرون : الماء الواحد : ماء المطر ، والأكل : الثمر ، بعضه أكبر من بعض ، وبعضه أفضل من بعض ، وبعضه حامض وبعضه حلو ، إلى غير ذلك ، وفي هذا دليل على بطلان قول الطبائعيين ، لأنه لو كان حدوث الثمر على طبع الأرض والهواء والماء ، وجب أن يتفق ما يحدث لاتفاق ما أوجب [ ص: 304 ] الحدوث ، فلما وقع الاختلاف ، دل على مدبر قادر ، " إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون " أنه لا تجوز العبادة إلا لمن يقدر على هذا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية