الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  تحقيق المحبة في الله :

                                                                  هو أن يحب المرء لا يحبه لذاته بل إلى حظوظه الأخروية منه كمن يحب أستاذه ؛ لأنه يتوسل به إلى تحصيل وتحسين العمل ، ومقصوده من العلم والعمل الفوز في الآخرة ، فهذا من جملة المحبين في الله ، وكذلك من يحب تلميذه لأنه يتلقف منه العلم وينال بواسطته رتبة التعليم فهو محب في الله ، بل الذي يتصدق بأمواله لله ويجمع الضيفان ويهيئ لهم الأطعمة اللذيذة الغريبة تقربا إلى الله فأحب طباخا لحسن صنعته في الطبخ فهو من جملة المحبين في الله ، وكذا لو أحب من يتولى له إيصال الصدقة إلى المستحقين فقد أحبه في الله ، أو أحب من يخدمه بنفسه في غسل ثيابه وكنس بيته وطبخ طعامه ، ويفرغه بذلك للعلم أو العمل ومقصوده من استخدامه في هذه الأعمال الفراغ للعبادة فهو محب في الله ، أو أحب من ينفق عليه من ماله ويواسيه بكسوته وطعامه ومسكنه وجميع أغراضه التي يقصدها في دنياه ، ومقصوده من جملة ذلك الفراغ للعلم والعمل المقرب إلى الله فهو محب في الله ، فقد كان جماعة من السلف تكفل بكفايتهم جماعة من أولي الثروة وكان المواسي والمواسى جميعا من المتحابين في الله ، وكذا من نكح امرأة صالحة ليتحصن بها عن وسواس الشيطان ويصون بها دينه أو ليولد له منها ولد صالح أو أحب زوجته لأنها آلة إلى هذه المقاصد الدينية فهو محب في الله ، وكذا إذا اجتمع في قلبه محبة الله والدنيا كمن أحب من يعلمه الدين ويكفيه مهمات الدنيا بالمواساة في المال فهو محب في الله .

                                                                  وليس من شرط حب الله أن لا يحب في العاجل حظ البتة ، إذ الدعاء الذي أمر به الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه فيه جمع بين الدنيا والآخرة ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ) [ البقرة : 201 ] .

                                                                  وفي المأثور " اللهم إني أسألك رحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة " .

                                                                  ثم إذا قوي الحب في الله حمل على الموالاة والنصرة والذب بالنفس والمال واللسان ، وتتفاوت الناس فيه بحسب تفاوتهم في حب الله عز وجل ، إلا أنه يمتحن الحب بالمقابلة بحظوظ النفس ، وقد يغلب بحيث لا يبقي للنفس حظا إلا فيما هو حظ المحبوب ، وقد يكون الحب بحيث يترك به بعض الحظوظ دون بعض كما تسمح نفسه بأن يشاطر محبوبه في نصف ماله أو في ثلثه أو في عشره ، فمقادير الأموال موازين المحبة ؛ إذ لا يعرف درجة المحبوب إلا بمحبوب يترك في مقابلته ، فمن استغرق الحب جميع قلبه لم يبق له محبوب سواه ، فلا يمسك لنفسه شيئا مثل أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنه [ ص: 128 ] سلم ابنته التي هي قرة عينه وبذل جميع ماله . فحصل من هذا أن كل من أحب عالما أو عابدا أو أحب شخصا راغبا في علم أو في عبادة أو في خير فإنما أحبه في الله ولله ، وله فيه من الأجرة والثواب بقدر قوة حبه .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية