الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
التفسير في عصر التابعين

كما اشتهر بعض أعلام الصحابة بالتفسير ، اشتهر بعض أعلام التابعين الذين أخذوا عنهم من تلاميذهم بالتفسير كذلك معتمدين في مصادره على المصادر التي جاءت في العصر السابق بالإضافة إلى ما كان لهم من اجتهاد ونظر .

قال الأستاذ محمد حسين الذهبي : " وقد اعتمد هؤلاء المفسرون في فهمهم لكتاب الله تعالى على ما جاء في الكتاب نفسه ، وعلى ما رووه عن الصحابة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى ما رووه عن الصحابة من تفسيرهم أنفسهم . وعلى ما أخذوه من أهل الكتاب مما جاء في كتبهم ، وعلى ما يفتح الله به عليهم من طريق الاجتهاد والنظر في كتاب الله تعالى .

[ ص: 330 ] وقد روت لنا كتب التفسير كثيرا من أقوال هؤلاء التابعين في التفسير قالوها بطريق الرأي والاجتهاد ، ولم يصل إلى علمهم شيء فيها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن أحد من الصحابة .

وقد قلنا فيما سبق : إن ما نقل عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة من التفسير لم يتناول جميع آيات القرآن ، وإنما فسروا ما غمض فهمه على معاصريهم ، ثم تزايد هذا الغموض -على تدرج- كلما بعد الناس عن عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة ، فاحتاج المشتغلون بالتفسير من التابعين إلى أن يكملوا بعض هذا النقص ، فزادوا في التفسير بمقدار ما زاد من غموض ، ثم جاء من بعدهم فأتموا تفسير القرآن تباعا ، معتمدين على ما عرفوه من لغة العرب ومناحيهم في القول ، وعلى ما صح لديهم من الأحداث التي حدثت في عصر نزول القرآن ، وغير هذا من أدوات الفهم ووسائل البحث .

لقد اتسعت الفتوحات الإسلامية ، وانتقل كثير من أعلام الصحابة إلى الأمصار المفتوحة ، ولدى كل واحد منهم علم . وعلى يد هؤلاء تلقى تلاميذهم من التابعين علمهم ، وأخذوا عنهم ، ونشأت مدارس متعددة .

ففي مكة نشأت مدرسة ابن عباس واشتهر من تلاميذه بمكة : سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعكرمة مولى ابن عباس ، وطاوس بن كيسان اليماني ، وعطاء بن أبي رباح .

وهؤلاء جميعا من الموالي ، وهم يختلفون في الرواية عن ابن عباس قلة وكثرة ، كما اختلف العلماء في مقدار الثقة بهم والركون إليهم ، والذي ورد فيه شيء ذو بال هو عكرمة ، فإن العلماء يختلفون في توثيقه وإن كانوا يشهدون له بالعلم والفضل .

وفي المدينة اشتهر أبي بن كعب بالتفسير أكثر من غيره ، وكثر ما نقل عنه في ذلك . واشتهر من تلاميذه من التابعين الذين أخذوا عنه مباشرة أو بالواسطة : زيد بن أسلم ، وأبو العالية ، ومحمد بن كعب القرظي .

وفي العراق نشأت مدرسة ابن مسعود التي يعتبرها العلماء نواة مدرسة أهل [ ص: 331 ] الرأي : وعرف بالتفسير من أهل العراق كثير من التابعين . اشتهر منهم علقمة بن قيس ، ومسروق ، والأسود بن يزيد ، ومرة الهمذاني ، وعامر الشعبي ، والحسن البصري ، وقتادة بن دعامة السدوسي .

هؤلاء هم مشاهير المفسرين من التابعين في الأمصار الإسلامية الذين أخذ عنهم أتباع التابعين من بعدهم . وخلفوا لنا تراثا علميا خالدا .

واختلف العلماء فيما أثر عن التابعين من تفسير إذا لم يؤثر في ذلك شيء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن الصحابة ، أيؤخذ بأقوالهم أم لا ؟

فذهب جماعة إلى أنه لا يؤخذ بتفسيرهم ; لأنهم لم يشاهدوا القرائن والأحوال التي نزل عليها القرآن ، فيجوز عليهم الخطأ في فهم المراد .

وذهب أكثر المفسرين إلى أنه يؤخذ بتفسيرهم ; لأنهم تلقوه غالبا عن الصحابة .

والذي يترجح أنه إذا أجمع التابعون على رأي فإنه يجب علينا أن نأخذ به ولا نتعداه إلى غيره .

قال ابن تيمية : " قال شعبة بن الحجاج وغيره : أقوال التابعين ليست حجة ، فكيف تكون حجة في التفسير ؟ يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم . وهذا صحيح ، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة ، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم ، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة ، أو عموم لغة العرب ، أو أقوال الصحابة في ذلك “ .

وقد ظل التفسير محتفظا في هذا العصر بطابع التلقي والرواية ، ولكن التابعين - بعد أن كثر دخول أهل الكتاب في الإسلام ، نقلوا عنهم في التفسير كثيرا من الإسرائيليات ، كالذي يروى عن عبد الله بن سلام ، وكعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، كما بدأ الاختلاف فيما يروى عنهم من تفسير لكثرة أقوالهم . ومع هذا فإنها أقوال متقاربة أو مترادفة ، فهو من باب اختلاف العبارة لا اختلاف التباين والتضاد .

"

التالي السابق


الخدمات العلمية