الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              364 - عبد الواحد بن زيد .

              ومنهم المنفلت من القيد ، المتصيد للصيد ، عبد الواحد بن زيد . كان عابدا زاهدا ، وواعظا عن المحاذر زائدا ، وللقاصد المبادر رائدا .

              حدثنا إسحاق بن أحمد بن علي ، ثنا إبراهيم بن يوسف بن خلاد ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، قال : قال لي أبو سليمان الداراني : أصاب عبد الواحد بن زيد الفالج ، فسأل الله أن يطلقه في وقت الوضوء ، فإذا أراد أن يتوضأ انطلق ، وإذا رجع إلى سريره عاد عليه الفالج .

              حدثنا إسحاق بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن يوسف ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، ثنا سباع أبو محمد الموصلي ، ثنا عبد الواحد بن زيد . قال : يا معشر إخواني ، عليكم بالخبز والملح ، فإنه يذيب شحم الكلى ، ويزيد في اليقين .

              حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، ثنا أحمد ، قال : سمعت أبا سليمان ، يقول : قال عبد الواحد بن زيد : مررت براهب في صومعته ، فقلت لأصحابي : قفوا ، قال : فكلمته فقلت : يا راهب ، فكشف سترا على باب صومعته ، فقال : يا عبد الواحد بن زيد ، إن أحببت أن تعلم علم اليقين فاجعل بينك وبين الشهوات حائطا من حديد ، قال : وأرخى الستر .

              حدثنا إسحاق ، ثنا إبراهيم ، ثنا أحمد ، حدثني أحمد بن غسان ، عن أحمد الهجيمي . قال : قيل لعبد الواحد بن زيد : يا أبا عبيدة ما تقول في رجلين : أحدهما أحب البقاء ليميل ، والآخر أحب الخروج شوقا ، أيهما أفضل ؟ قال : [ ص: 156 ] الذي أحب الخروج أفضل . قال : فقيل له : أثم منزلة ثالثة ؟ فقال : لا أعرفها ، قيل له : بلى ، قال : لا البقاء ليطيع أحب إليه ولا يحب الخروج شوقا إليه ، إنما أحبه إليه ، إن أبقاه أحب ذلك ، وإن أماته أحب ذلك .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن أبان ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، حدثني محمد بن إدريس ، ثنا زهير بن عباد ، عن السري بن حسان ، قال : قال عبد الواحد بن زيد : الرضا باب الله الأعظم ، وجنة الدنيا ، ومستراح العابدين .

              حدثنا أبي ، ثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن محمد بن سفيان ، ثنا عبد الرحيم بن يحيى ، ثنا عثمان بن عمارة ، عن عبد الواحد بن زيد . قال : خرجت أنا وفرقد السبخي ، ومحمد بن واسع ، ومالك بن دينار ، نزور أخا لنا بأرض فارس ، فلما جاوزنا زامهرير إذا نحن بضوء في سفح جبل ، فنزعنا نحوه ، فإذا نحن برجل مجذوم يقطر قيحا ودما . فقال له بعضنا : يا هذا لو دخلت هذه المدينة فتداويت وتعالجت من بلائك هذا ، فرفع طرفه إلى السماء فقال : إلهي أتيت بهؤلاء ليسخطوني عليك ، لك الكرامة والعتبى بأن لا أخالفك أبدا .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا إسحاق بن أبي حسان ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، ثنا أبو علي الأزدي ، عن عبد الواحد بن زيد . قال : خرجت أنا ومحمد بن واسع ، ومالك بن دينار نحو بيت المقدس ، فلما كنا بين الرصافة وحمص سمعنا مناديا ينادي من تلك الرمال : يا محفوظ ، يا مستور ، اعقل في ستر من أنت ، فإن كنت لا تعقل فاحذر الدنيا ، وإن كنت لا تحسن أن تحذرها فاجعلها شوكة ، وانظر أين تضع رجلك .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا علي بن سعيد ، ثنا ابن إدريس ، ثنا عبد الله بن عبيد ، عن مضر القارئ . قال : سمعت عبد الواحد بن زيد ، يقول : وعزتك لا أعلم لمحبتك فرحا دون لقائك ، والاشتفاء من النظر إلى جلال وجهك في دار كرامتك ، فيا من أحل الصادقين دار الكرامة ، وأورث الباطلين منازل الندامة ، اجعلني ومن حضرني من أفضل أوليائك زلفى ، وأعظمهم منزلة وقربة ؛ تفضلا منك علي وعلى إخواني يوم تجزي الصادقين بصدقهم جنات قطوفها [ ص: 157 ] دانية متدلية عليهم ثمرها .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا محمد بن أحمد بن معدان ، ثنا أحمد بن غالب ، ثنا محمد بن عبد الله ، عن عبد الواحد بن زيد ، قال : من قوي على بطنه قوي على دينه ، ومن قوي على بطنه قوي على الأخلاق الصالحة ، ومن لم يعرف مضرته في دينه من قبل بطنه ، فذاك رجل في العابدين أعمى .

              حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن عبيد ، حدثني محمد بن الحسين ، حدثني عمار بن عثمان ، حدثني مسمع بن عاصم . قال : شهدت عبد الواحد بن زيد عاد مريضا من إخوانه ، فقال : ما تشتهي ؟ قال : الجنة ، قال : فعلام تأس من الدنيا إذا كانت هذه شهوتك ؟ قال : آسى والله على مجالس الذكر ومذاكرة الرجال بتعداد نعم الله ، قال عبد الواحد : هذا والله خير الدنيا ، وبه يدرك خير الآخرة .

              حدثنا أبي ، ثنا أبو الحسن بن أبان ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا عمار بن عثمان ، حدثني حصين بن القاسم ، قال : سمعت عبد الواحد بن زيد ، يقول : طريق بين القلبين منخرقة لا يحجز المار فيها شيء ، خروج الموعظة من قلب المتكلم تقع في قلب المستمع كما خرجت من قلب الواعظ لا يغيرها شيء .

              حدثنا أبي ، ثنا أبو الحسن بن أبان ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، ثنا عبيد الله بن عمر الجشمي ، عن مضر القارئ ، ثنا عبد الواحد بن زيد ، قال : كان الرجل إذا اشتكى إلى الحسن كثرة الذنوب ، قال : اجعل بينك وبينها البحر . قال : وسمعت الحسن يقول : إن لكل طريق مختصرا ومختصر طريق الجنة الجهاد .

              حدثنا أبي ، ثنا أبو الحسن ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، حدثني محمد بن الحسين ، ثنا عبيد الله بن محمد ، ثنا معاذ بن زياد ، قال : سمعت عبد الواحد بن زيد ، غير مرة يقول : ما يسرني أن لي جميع ما حوت عليه البصرة من الأموال والثمرة بفلسين .

              حدثنا عثمان بن محمد العثماني ، ثنا أبو الحسن الواعظ البغدادي ، قال : ذكر لي عن أحمد بن أبي الحواري ، قال : قال أبو سليمان : ذكر لي عن عبد الواحد بن زيد ، قال : نمت عن وردي ليلة ، فإذا أنا بجارية ، لم أر أحسن وجها منها عليها ثياب [ ص: 158 ] حرير خضر وفي رجلها نعلان تقدس بأطراف أزمتها ، فالنعلان يسبحان والزمامان يقدسان ، وهى تقول : يا ابن زيد جد في طلبي فإني في طلبك ، ثم جعلت تقول برخيم صوتها :


              من يشتريني ومن يكن سكني يأمن في ربحه من الغبن



              فقلت : يا جارية ، ما ثمنك ؟ فأنشأت تقول :


              تودد الله مع محبته     وطول شكر يشاب بالحزن



              فقلت : لمن أنت يا جارية ؟ فقالت :


              لمالك لا يرد لي ثمنا     من خاطب قد أتاه بالثمن



              فانتبه وآلى على نفسه أن لا ينام بالليل .

              حدثنا عثمان بن محمد العثماني ، ثنا أبو الحسن محمد بن أحمد ، ثنا عمر بن محمد بن يوسف ، قال : سمعت أبا جعفر الصفار ، يقول : سمعت الفيض بن إسحاق الرقي ، يقول : سمعت الفضيل بن عياض ، يقول : قال عبد الواحد بن زيد : سألت الله ثلاث ليال أن يريني رفيقي في الجنة ، فرأيت كأن قائلا يقول لي : يا عبد الواحد رفيقك في الجنة ميمونة السوداء ، فقلت : وأين هي ؟ فقال : في آل بني فلان بالكوفة ، قال : فخرجت إلى الكوفة فسألت عنها ، فقيل هي مجنونة بين ظهرانينا ترعى غنيمات لنا ، فقلت : أريد أن أراها ، قالوا : اخرج إلى الخان فخرجت فإذا هي قائمة تصلي ، وإذا بين يديها عكازة لها ، فإذا عليها جبة من صوف مكتوب عليها لا تباع ولا تشترى ، وإذا الغنم مع الذئاب لا الذئاب تأكل الغنم ولا الغنم تفزع من الذئاب . فلما رأتني أوجزت في صلاتها ، ثم قالت : ارجع يا ابن زيد ليس الموعد ههنا ، إنما الموعد ثم ، فقلت لها : رحمك الله وما يعلمك أني ابن زيد ، فقالت : أما علمت أن الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ؟ فقلت لها : عظيني ، فقالت : واعجبا لواعظ يوعظ ! ثم قالت : يا ابن زيد إنك لو وضعت معاير القسط على جوارحك لخبرتك بمكتوم مكنون ما فيها : يا ابن زيد إنه بلغني ما من عبد أعطي من الدنيا شيئا فابتغى إليه ثانيا إلا سلبه الله حب الخلوة معه ، ويبدله بعد القرب [ ص: 159 ] البعد ، وبعد الأنس الوحشة ، ثم أنشأت تقول :


              يا واعظا قام لاحتساب     يزجر قوما عن الذنوب
              تنهى وأنت السقيم حقا     هذا من المنكر العجيب
              لو كنت أصلحت قبل هذا     غيك أو تبت من قريب
              كان لما قلت يا حبيبي     موقع صدق من القلوب
              تنهى عن الغي والتمادي     وأنت في النهي كالمريب

              فقلت لها : إني أرى هذه الذئاب مع الغنم ، لا الغنم تفزع من الذئاب ، ولا الذئاب تأكل الغنم ، فأيش هذا ؟ فقالت : إليك عني ، فإني أصلحت ما بيني وبين سيدي ، فأصلح بين الذئاب والغنم .

              حدثنا الوليد بن أحمد ، ومحمد بن أحمد بن النضر ، قالا : ثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس ، ثنا محمد بن يحيى بن عمر الواسطي ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا حكيم بن جعفر ، حدثني الحارث بن عبيد . قال : كان عبد الواحد بن زيد يجلس إلى جنبي عند مالك بن دينار ، فكنت لا أفهم كثيرا من موعظة مالك ؛ لكثرة بكاء عبد الواحد .

              حدثنا الوليد ، ومحمد ، قالا : ثنا عبد الرحمن ، ثنا محمد بن يحيى بن بسطام ، ثنا حاتم بن سليمان الطائي . قال : شهدت عبد الواحد بن زيد في جنازة حوشب ، فلما دفن قال رحمك الله يا أبا بشر ، فلقد كنت حذرا من مثل هذا اليوم ، رحمك الله يا أبا بشر ، فلقد كنت من الموت جزعا ، أما والله ! لئن استطعت لأعملن رحلي بعد مصرعك هذا . قال : ثم شمر بعد واجتهد .

              حدثنا الوليد ، ومحمد ، قالا : ثنا عبد الرحمن ، ثنا محمد بن يحيى ، ثنا عمار بن عثمان الحلبي ، ثنا حصين بن القاسم الوزان . قال : كنا عند عبد الواحد بن زيد وهو يعظ ؛ فناداه رجل من ناحية المسجد : كف عنا يا أبا عبيدة ، فقد كشفت قناع قلبي . قال : فلم يلتفت عبد الواحد إلى ذلك ومر في الموعظة ، فلم يزل الرجل يقول : كف عنا يا أبا عبيدة فقد كشفت قناع قلبي ، وعبد الواحد لا يقطع موعظته حتى والله حشرج الرجل حشرجة الموت ، ثم خرجت نفسه ، ثم [ ص: 160 ] مات ، فقال : أنا والله شهدت جنازته يومئذ ، فما رأيت بالبصرة يوما أكثر باكيا من يومئذ .

              حدثنا الوليد ، ومحمد ، قالا : ثنا عبد الرحمن ، ثنا محمد ، ثنا عمار بن عثمان الحلبي ، ثنا حصين الوزان . قال : كان لعبد الواحد بن زيد ابن متعبد ، وكان مع ذلك قد كفاه جميع أمره وحوائجه ، قال فمات الفتى فوجد به عبد الواحد وجدا شديدا ، قال : فذكره ذات يوم فدمعت عيناه ، فقال : لقد نغص علي الحياة بعده . قال : ثم رجع . وقال : هل الحياة إلا متنغصة ؟

              حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا أبو صالح عبد الرحمن بن أحمد ، ثنا عبد الله بن سعد ، ثنا ابن عائشة ، ثنا إسماعيل بن ذكوان . قال : قال عبد الواحد بن زيد : جالسوا أهل الدين ، فإن لم تجدوهم فجالسوا أهل المروءات ، فإنهم لا يرفثون في مجالسهم .

              حدثنا محمد بن أحمد بن عمر ، ثنا أبي ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، قال : أخبرني محمد بن الحسين ، حدثني يحيى بن راشد ، عن مضر أبي سعيد ، عن عبد الواحد بن زيد ، قال : قلت لزياد النميري : ما منتهى الخوف ؟ قال : إجلال الله عند مقام السوءات ، قلت : فما منتهى الرجاء ؟ قال : تأمل الله على كل الحالات .

              حدثنا أبي ، ثنا أبو الحسن بن أبان ، ثنا عبد الله بن محمد بن سفيان ، قال : حدثت عن محمد ، حدثني روح بن سلمة الوراق ، حدثني مسلم العباداني . قال : قدم علينا مرة صالح المري ، وعبد الواحد بن زيد وعتبة الغلام وسلمة الأسواري ، فنزلوا على الساحل قال : فهيأت لهم ذات ليلة طعاما فدعوتهم إليه ، فجاءوا فلما وضعت الطعام بين أيديهم إذا قائل يقول من بعض أولئك المطوعة ، وهو على ساحل البحر مارا رافعا صوته يقول :


              وتلهيك عن دار الخلود مطاعم     ولذة نفس غيها غير نافع

              قال : فصاح عتبة صيحة فسقط مغشيا عليه ، وبكى القوم ورفعنا الطعام وما ذاقوا منه والله لقمة واحدة .

              حدثنا أبي ، ثنا أبو الحسن ، ثنا عبد الله بن محمد ، حدثني محمد بن الحسن ، [ ص: 161 ] حدثني مالك بن ضيغم ، قال : سمعت بكر بن معاذ ، يقول : سمعت عبد الواحد بن زيد ، يقول : يا إخوتاه ، ألا تبكون خوفا من النيران ، ألا وإنه من بكى خوفا من النار أعاذه الله - تعالى - منها : يا إخوتاه ، ألا تبكون خوفا من شدة العطش يوم القيامة : يا إخوتاه ، ألا تبكون ؟ بلى ! فابكوا على الماء البارد أيام الدنيا لعله أن يسقيكموه في حظائر القدس مع خير القدماء والأصحاب ؛ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، قال : ثم جعل يبكي حتى غشي عليه .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد ، ثنا عبد الله ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا عمار بن عثمان ، قال : سمعت حصين بن القاسم الوزان . يقول : لو قسم بث عبد الواحد بن زيد على أهل البصرة لوسعهم ، فإذا أقبل سواد الليل نظرت إليه كأنه فرس رهان مضمر ، ثم يقوم إلى محرابه فكأنه رجل مخاطب .

              حدثنا أبي ، ومحمد بن أحمد ، قالا : ثنا أبو الحسن بن أبان ، ثنا أبو بكر بن سفيان ، حدثني محمد بن الحسين ، حدثني حكيم بن جعفر ، ثنا حيان الأسود ، حدثني عبد الواحد بن زيد . قال : أصابتني علة في ساقي فكنت أتحامل عليها للصلاة ، قال : فقمت عليها من الليل فأجهدت وجعا ، فجلست ، ثم لففت إزاري في محرابي ، ووضعت رأسي عليه فنمت ، فبينا أنا كذلك إذا أنا بجارية تفوق الدنيا حسنا ، تخطر بين جوار مزينات حتى وقفت علي ، وهن من خلفها ، فقالت لبعضهن : ارفعنه ولا تهجنه ، قال : فأقبلن نحوي فاحتملنني عن الأرض ، وأنا أنظر إليهن في منامي ، ثم قالت لغيرهن من الجواري اللاتي معها : افرشنه ومهدنه ووطئن له ووسدنه ، قال : ففرشن تحتي سبع حشايا لم أر لهن في الدنيا مثلا ، ووضعن تحت رأسي مرافق خضرا حسانا ، ثم قالت للائي حملنني : اجعلنه على الفرش رويدا لا تهجنه ، قال : فجعلت على تلك الفرش وأنا أنظر إليها وما تأمر به من شأني ، ثم قالت : احففنه بالريحان ، قال فأتي بياسمين فحفت به الفرش ، ثم قامت إلي فوضعت يدها على موضع علتي التي كنت أجدها في ساقي ، فمسحت ذلك المكان بيدها ، ثم قالت : قم شفاك الله إلى صلاتك غير مضرور ، قال فاستيقظت والله وكأني قد أنشطت من عقال ، فما اشتكيت تلك العلة بعد ليلتي تلك ، [ ص: 162 ] ولا ذهب حلاوة منطقها من قلبي - : قم شفاك الله إلى صلاتك غير مضرور .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن محمد بن العباس ، ثنا سلمة بن شبيب ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ح . وحدثنا أبي ، ثنا أبو الحسن بن أبان ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، حدثني محمد بن الحسين ، قالا : ثنا عبد الله بن عمرو بن جبلة ، حدثني أبو عاصم العباداني ، حدثني عبد الواحد بن زيد ، قال : كنا في غزاة لنا ونحن في العسكر الأعظم ؛ فنزلنا منزلا فنام أصحابي وقمت أقرأ جزئي ، قال : فجعلت عيناي تغالباني وأغالبهما حتى استتممت جزئي ، فلما فرغت وأخذت مضجعي ، قلت : لو كنت نمت كما نام أصحابي كان أروح لبدني ، فإذا أصبحت قرأت جزئي ، قال : فقلت هذه المقالة في نفسي ، والله ما حركت بها شفتاي ، ولا سمعها أحد من الناس مني . قال : ثم نمت فرأيت في منامي ، كأني أرى شابا جميلا قد وقف علي وبيده ورقة بيضاء كأنها الفضة ، فقلت : يا فتى ، ما هذه الورقة التي أراها بيدك ؟ قال : فدفعها إلي فنظرت فإذا فيها مكتوب :


              ينام من شاء على غفلة     والنوم كالموت فلا تتكل
              تنقطع الأعمال فيه كما     تنقطع الدنيا عن المنتقل

              قال : وتغيب الفتى عني فلم أره ، قال : فكان عبد الواحد يردد هذا الكلام كثيرا ويبكي ، ويقول : فرق النوم بين المصلين وبين لذتهم في الصلاة ، وبين الصائمين وبين لذتهم في الصيام ، ويذكر أصناف الخير - لفظهما سواء ولم يذكر سلمة أبا عاصم العباداني .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن محمد بن سفيان ، حدثني محمد بن الحسين ، حدثني عمار بن عثمان الحلبي ، ثنا سوار الغنوي . قال : سمعت عبد الواحد بن زيد ، يقول : الإجابة مقرونة بالإخلاص لا فرقة بينهما .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد ، ثنا عبد الله ، حدثني محمد ، ثنا عمار ، حدثني حصين بن القاسم الوزان . قال : قال عبد الواحد بن زيد : ما للعاملين والبطنة ؟ إنما العامل تجزيه العلقة التي تقوم برمقه . قال : وسمعته يقول يوما : عاهدت الله عهدا لا أحنث بعهدي عنده أبدا ، قلت : ما هو يا أبا عبيدة ؟ قال : أقصر يا حصين . [ ص: 163 ] قلت : أو ما تؤمل في إخبارك إياي خيرا من قدوة ؟ قال : بلى ، قلت : فأخبرني قال : عاهدته أن لا يراني نهارا طاعما أبدا حتى ألقاه ، قال حصين : فإن كان ليشتد به المرض فيجتهد به إخوانه أن ينال شيئا ، فيأبى ذلك حتى قضي عليه رحمه الله .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا علي بن سعيد ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، ثنا محمد بن الحسين ، حدثني سعيد بن خلف بن يزيد القسام ، قال : سمعت مضر القارئ . قال : قال لي عبد الواحد بن زيد : ما أحسب شيئا من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا ، ولا أعلم درجة أرفع ولا أشرف من الرضا ، وهي رأس المحبة .

              حدثنا أبو محمد ، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ، ثنا سهل بن عثمان ، ثنا ابن السماك ، عن عبد الواحد بن زيد . قال : كان يقال : من عمل بما علم ؛ فتح الله له ما لا يعلم .

              حدثنا أبو محمد ، ثنا أحمد بن روح ، ثنا أحمد بن غالب ، ثنا محمد بن عبد الله الخزاعي ، قال : صلى عبد الواحد بن زيد الغداة بوضوء العتمة أربعين سنة .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن محمد ، ثنا علي بن أبي مريم ، عن محمد بن الحسين ، حدثني حكيم بن جعفر ، قال : سمعت مسمع بن عاصم . قال : قال عبد الواحد بن زيد : من نوى الصبر على طاعة الله صبره الله عليها وقواه لها ، ومن نوى الصبر عن معاصي الله أعانه الله على ذلك وعصمه منها ، قال : وقال لي : يا سيار ، أتراك تصير لمحبته عن هواك فيخيب صبرك ؟ لقد أساء بسيده الظن من ظن به هذا وشبهه ، قال : ثم بكى عبد الواحد حتى خفت أن يغشى عليه ، ثم قال : بأبي أنت يا مسبغ نعمة غادية ورائحة على أهل معصيته ، فكيف ييأس من رحمته أهل محبته .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا عمر بن بحر ، قال سمعت أحمد بن أبي الحواري ، ثنا عبد الله التياحي . قال : قيل لعبد الواحد بن زيد : إن بالبصرة رجلا يصلي ويصوم منذ خمسين سنة ، وهل قنعت منه بعد ؟ قال : لا ، قال : فهل رضيت عنه ؟ قال : لا ، قال : فهل أنست به بعد ؟ قال : لا ، قال : فإنما ثوابك من عملك [ ص: 164 ] التزيد في الصوم والصلاة ؟ قال : نعم ، قال : لولا أني أستحي منك لأعلمتك أن عملك مدخول .

              حدثنا أبي ، ثنا أبو الحسن بن أبان ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا داود بن المحبر ، عن عبد الواحد بن زيد ، عن الحسن ، قال : السهو والأمل نعمتان عظيمتان على بني آدم .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية