الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2103 باب الاشتراط في الحج والعمرة

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب جواز اشتراط (المحرم) التحلل، بعد المرض ونحوه).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 131 - 132 ج 8 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي الزبير؛ أنه سمع طاوسا، وعكرمة (مولى ابن عباس )، عن ابن عباس : أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب (رضي الله عنها) ، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني امرأة ثقيلة. وإني أريد الحج. فما تأمرني؟ قال: "أهلي بالحج، واشترطي: أن محلي حيث تحبسني". قال: فأدركت ].

                                                                                                                              [ ص: 320 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 320 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن عباس) رضي الله عنهما: (أن ضباعة ) بضاد معجمة مضمومة. ثم موحدة مخففة.

                                                                                                                              (بنت الزبير بن عبد المطلب ) كما ذكره مسلم هاهنا. قال الشافعي : كنيتها: (أم حكيم).

                                                                                                                              وهي بنت عم النبي -صلى الله عليه وسلم -. أبوها: الزبير بن عبد المطلب بن هاشم .

                                                                                                                              قال في (النيل): ووهم ( الغزالي ) فقال: الأسلمية. وتعقبه النووي وقال: صوابه: (الهاشمية). انتهى.

                                                                                                                              قلت: وعبارة النووي هكذا: وأما قول صاحب (الوسيط): هي ضباعة الأسلمية فغلط فاحش. والصواب: الهاشمية .

                                                                                                                              (أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني امرأة ثقيلة. وإني أريد الحج. فما تأمرني؟ قال: "أهلي بالحج، واشترطي: أن محلي) بفتح الميم وكسر المهملة. أي: مكان إحلالي: (حيث تحبسني، قال: فأدركت) . أي: الحج.

                                                                                                                              ولم تتحلل حتى فرغت منه.

                                                                                                                              [ ص: 321 ] (والحديث) دليل لمن قال: يجوز: أن يشترط الحاج والمعتمر في إحرامه: أنه إن مرض تحلل .

                                                                                                                              وهو قول عمر بن الخطاب ، وعلي ، وابن مسعود ، وآخرين من الصحابة، وجماعة من التابعين، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور . وهو الصحيح من مذهب الشافعي .

                                                                                                                              وحجتهم: هذا الحديث الصحيح الصريح.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وبعض التابعين: لا يصح الاشتراط. وحملوا الحديث على أنها قضية عين. وأنه مخصوص بضباعة.

                                                                                                                              قال النووي : وأشار ( عياض ) إلى تضعيف الحديث. فإنه قال: قال الأصيلي: لا يثبت في الاشتراط إسناد صحيح.

                                                                                                                              قال النسائي : لا أعلم أحدا أسنده عن الزهري ، غير معمر .

                                                                                                                              وهذا الذي عرض به القاضي ، وقال به الأصيلي ، من تضعيف الحديث: غلط فاحش جدا. نبهت عليه، لئلا يغتر به، لأن هذا الحديث مشهور في صحيح البخاري ، ومسلم ، وسنن أبي داود ، والترمذي ، والنسائي ، وسائر كتب الحديث المعتمدة، من طرق متعددة، بأسانيد كثيرة، عن جماعة من الصحابة. وفيما ذكره ( مسلم ) ، من تنويع طرقه: أبلغ كفاية.

                                                                                                                              وفي هذا الحديث: دليل على أن المرض لا يبيح التحلل ، إذا لم يكن اشتراط في حال الإحرام. والله أعلم.

                                                                                                                              [ ص: 322 ] هذا آخر كلام النووي .

                                                                                                                              وقال في (النيل): قال العقيلي : روي عن ابن عباس : قصة ( ضباعة ) بأسانيد ثابتة جياد. انتهى.

                                                                                                                              وقال الشافعي : لو ثبت حديث ( عائشة ) في الاستثناء، لم أعده إلى غيره، لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                              قال البيهقي : فقد ثبت هذا الحديث من أوجه.

                                                                                                                              قال شيخنا وبركتنا "رضي الله عنه" في: (شرح المنتقى): وأحاديث الباب، تدل على أن من اشترط هذا الاشتراط، ثم عرض له ما يحبسه عن الحج: جاز له التحلل. وأنه لا يجوز التحلل مع عدم الاشتراط . وبه قال جماعة من (الصحابة). وسماهم.

                                                                                                                              وقال جماعة: لا يصح الاشتراط.

                                                                                                                              قال العلامة ( الشوكاني ) رحمه الله: واعتذروا عن ذلك بأنها: قصة عين، وأنها مخصوصة بضباعة . وهو ينزل على الخلاف المشهور في الأصول، في خطابه -صلى الله عليه وسلم - لواحد، هل يكون غيره فيه مثله أم لا؟

                                                                                                                              وادعى بعضهم: أن الاشتراط منسوخ. روي ذلك عن ( ابن عباس ) لكن بإسناد فيه: ( الحسن بن عمارة ) ، وهو متروك.

                                                                                                                              وادعى بعض: أنه لم يثبت. وتقدم الجواب عنه. انتهى.

                                                                                                                              وبالجملة؛ فالمسألة محققة. والقول بها واجب. والعمل بمقتضاها [ ص: 323 ] ثابت، لا سبيل إلى إنكارها، بعد ما ثبت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم -. وصح في صحيح مسلم وغيره.

                                                                                                                              والحديث: يرد على من خالفه، كائنا من كان. وأينما كان من الرتبة العالية ورفعة الشأن.




                                                                                                                              الخدمات العلمية