الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يحلفون بالله لكم ليرضوكم الخطاب للمؤمنين وكان المنافقون يتكلمون بما لا يليق ثم يأتونهم فيعتذرون إليهم ويؤكدون معاذيرهم بالأيمان ليعذروهم ويرضوا عنهم ، أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة قال : ذكر لنا أن رجلا من المنافقين قال : والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا ولئن كان ما يقول محمد صلى الله تعالى عليه وسلم حقا لهم شر من الحمر ، فسمعها رجل من المسلمين فقال : والله إن ما يقول محمد صلى الله تعالى عليه وسلم لحق ولأنت شر من الحمار ، فسعى بها الرجل إلى نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأخبره فأرسل إلى الرجل فدعاه فقال : ما حملك على الذي قلت؟ فجعل يلتعن ويحلف بالله تعالى ما قال ذلك، وجعل الرجل المسلم يقول : اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب فأنزل سبحانه في ذلك : ( يحلفون ) إلخ أي يحلفون لكم أنهم ما قالوا ما نقل عنهم مما يورث أذاة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ليرضوكم بذلك ، وعن مقاتل والكلبي أنها نزلت في رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك، فلما رجع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم منها أتوا المؤمنين يعتذرون إليهم من تخلفهم ويعتلون ويحلفون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأنكر بعضهم هذا مقتصرا على الأول، ولعله رأى ذلك أوفق بالمقام ، وإنما أفرد إرضاءهم بالتعليل مع أن عمدة أغراضهم إرضاء الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم للإيذان بأن ذلك بمعزل عن أن يكون وسيلة لإرضائه عليه الصلاة والسلام وأنه صلى الله تعالى عليه وسلم إنما لم يكذبهم رفقا بهم وسترا لعيوبهم لا عن رضى بما فعلوا وقبول قلبي لما قالوا ( والله ورسوله أحق أن يرضوه ) أي : أحق بالإرضاء من غيره، ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والموافقة لأمره وإيفاء حقوقه عليه الصلاة والسلام في باب الإجلال والإعظام حضورا وغيبة ، وأما الإيمان فإنما يرضى بها من انحصر طريق علمه في الأخبار إلى أن يجيء الحق ويزهق الباطل ، والجملة في موضع الحال من ضمير ( يحلفون ) والمراد ذمهم بالاشتغال فيما لا يعنيهم والإعراض عما يهمهم ويجديهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وتوحيد الضمير في ( يرضوه ) مع أن الظاهر بعد العطف بالواو التثنية لأن إرضاء الرسول عليه الصلاة والسلام لا ينفك عن إرضاء الله تعالى و من يطع الرسول فقد أطاع الله فلتلازمهما جعلا كشيء واحد فعاد إليهما الضمير المفرد ، أو لأن الضمير مستعار لاسم الإشارة الذي يشار به إلى الواحد والمتعدد بتأويل المذكور ، وإنما لم يثن تأدبا لئلا يجمع بين الله تعالى وغيره في ضمير تثنية : وقد نهي عنه على كلام فيه ، أو لأنه عائد إلى رسوله والكلام جملتان حذف خبر الأولى لدلالة خبر الثانية عليه كما في قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف



                                                                                                                                                                                                                                      أو إلى الله تعالى على أن المذكور خبر الجملة الأولى وخبر الجملة الثانية محذوف ، واختار الأول في مثل ذلك التركيب سيبويه لقرب ما جعل المذكور خبرا له مع السلامة من الفصل بين المبتدأ والخبر ، واختار الثاني المبرد للسبق ، وقيل : إن الضمير للرسول عليه الصلاة والسلام والخبر له لا غير ولا حذف في الكلام لأن الكلام في إيذاء الرسول عليه الصلاة والسلام وإرضائه فيكون ذكر الله تعالى تعظيما له عليه الصلاة والسلام وتمهيدا، فلذا لم يخبر عنه وخص الخبر بالرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ، ونظيره قوله تعالى : وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ولا يخفى [ ص: 129 ] أن اعتبار الإخبار عن المعطوف وعدم اعتبار خبر للمبتدأ المعطوف عليه أصلا مع أنه المستقل في الابتداء في غاية الغرابة ، والفرق بين الآيتين مثل الشمس ظاهر إن كانوا مؤمنين جواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي: إن كانوا مؤمنين إيمانا صادقا في الظاهر والباطن فليرضوا الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام بما ذكر فإنهما أحق بالإرضاء .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية