الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        أبواب صفة الصلاة باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة

                                                                                                                                                                                                        699 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فجحش شقه الأيمن قال أنس رضي الله عنه فصلى لنا يومئذ صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعودا ثم قال لما سلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا سجد فاسجدوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد [ ص: 254 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 254 ] قوله : ( باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة ) قيل : أطلق الإيجاب والمراد الوجوب تجوزا ؛ لأن الإيجاب خطاب الشارع ، والوجوب ما يتعلق بالمكلف وهو المراد هنا . ثم الظاهر أن الواو عاطفة إما على المضاف وهو إيجاب وإما على المضاف إليه وهو التكبير ، والأول أولى إن كان المراد بالافتتاح الدعاء ؛ لكنه لا يجب ، والذي يظهر من سياقه أن الواو بمعنى مع ، وأن المراد بالافتتاح الشروع في الصلاة . وأبعد من قال : إنها بمعنى الموحدة أو اللام ، وكأنه أشار إلى حديث عائشة " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفتتح بالتكبير " وسيأتي بعد بابين حديث ابن عمر " رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - افتتح التكبير في الصلاة " واستدل به وبحديث عائشة على تعين لفظ التكبير دون غيره من ألفاظ التعظيم ، وهو قول الجمهور ، ووافقهم أبو يوسف .

                                                                                                                                                                                                        وعند الحنفية تنعقد بكل لفظ يقصد به التعظيم . ومن حجة الجمهور حديث رفاعة في قصة المسيء صلاته أخرجه أبو داود بلفظ " لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه ثم يكبر " ورواه الطبراني بلفظ " ثم يقول الله أكبر " وحديث أبي حميد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه ثم قال : الله أكبر أخرجه ابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان ، وهذا فيه بيان المراد بالتكبير وهو قول " الله أكبر " . وروى البزار بإسناد صحيح على شرط مسلم عن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام إلى الصلاة قال : الله أكبر ولأحمد والنسائي من طريق واسع بن حبان أنه سأل ابن عمر عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال " الله أكبر كلما وضع ورفع " ثم أورد المصنف حديث أنس إنما جعل الإمام ليؤتم به من وجهين ثم حديث أبي هريرة في ذلك ، واعترضه الإسماعيلي فقال : ليس في الطريق الأول ذكر التكبير ولا في الثاني والثالث بيان إيجاب التكبير وإنما فيه الأمر بتأخير المأموم عن الإمام قال : ولو كان ذلك إيجابا للتكبير لكان قوله " فقولوا ربنا ولك الحمد " إيجابا لذلك على المأموم . وأجيب عن الأول بأن مراد المصنف أن يبين أن حديث أنس من الطريقين واحد اختصره شعيب وأتمه الليث ، وإنما احتاج إلى ذكر الطريق المختصرة لتصريح الزهري فيها بإخبار أنس له ، وعن الثاني بأنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك ، وفعله بيان لمجمل الصلاة ، وبيان الواجب واجب ، كذا وجهه ابن رشيد ، وتعقب بالاعتراض الثالث وليس بوارد على البخاري لاحتمال أن يكون قائلا بوجوبه كما قال به شيخه إسحاق بن راهويه .

                                                                                                                                                                                                        وقيل في الجواب أيضا إذا ثبت إيجاب التكبير في حالة من الأحوال طابق الترجمة ، ووجوبه على المأموم ظاهر من الحديث ، وأما الإمام فمسكوت عنه ، ويمكن أن يقال : في السياق إشارة إلى الإيجاب لتعبيره بإذا التي تختص بما يجزم بوقوعه . وقال الكرماني : الحديث دال على الجزء الثاني من الترجمة ؛ لأن لفظ " إذا صلى قائما " متناول لكون الافتتاح في حال القيام فكأنه قال : إذا افتتح الإمام الصلاة قائما فافتتحوا أنتم أيضا قياما . قال : ويحتمل أن تكون الواو بمعنى مع والمعنى باب إيجاب التكبير عند افتتاح الصلاة ، فحينئذ دلالته على الترجمة مشكل . انتهى . ومحصل كلامه أنه لم يظهر له توجيه إيجاب التكبير من هذا الحديث والله أعلم . وقال في قوله " فقولوا ربنا ولك الحمد " لولا الدليل [ ص: 255 ] الخارجي وهو الإجماع على عدم وجوبه لكان هو أيضا واجبا . انتهى . وقد قال بوجوبه جماعة من السلف منهم الحميدي شيخ البخاري ، وكأنه لم يطلع على ذلك . وقد تقدم الكلام على فوائد المتن المذكور مستوفى في " باب إنما جعل الإمام ليؤتم به " . ووقع في رواية المستملي وحده في طريق شعيب عن الزهري " وإذا سجد فاسجدوا " . ووقع في رواية الكشميهني في طريق الليث " ثم انصرف " بدل قوله " فلما انصرف " وزيادة الواو في قوله " ربنا لك الحمد " وسقط لفظ " جعل " عند السرخسي في حديث أبي هريرة من قوله إنما جعل الإمام ليؤتم به .

                                                                                                                                                                                                        ( فائدة ) : تكبيرة الإحرام ركن عند الجمهور ، وقيل شرط وهو عند الحنفية ، ووجه عند الشافعية ، وقيل سنة . قال ابن المنذر : لم يقل به أحد غير الزهري ، ونقله غيره عن سعيد بن المسيب والأوزاعي ومالك ولم يثبت عن أحد منهم تصريحا ، وإنما قالوا فيمن أدرك الإمام راكعا تجزئه تكبيرة الركوع . نعم نقله الكرخي من الحنفية عن إبراهيم بن علية وأبي بكر الأصم ، ومخالفتهما للجمهور كثيرة .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : لم يختلف في إيجاب النية في الصلاة ، وقد أشار إليه المصنف في أواخر الإيمان حيث قال : " باب ما جاء في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الأعمال بالنية " فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة إلى آخر كلامه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية