الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 317 ] له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " له دعوة الحق " فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أنها كلمة التوحيد ، وهي : لا إله إلا الله ، قاله علي ، وابن عباس ، والجمهور ، فالمعنى: له من خلقه الدعوة الحق ، فأضيفت الدعوة إلى الحق ، لاختلاف اللفظين .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن الله عز وجل هو الحق ، فمن دعاه دعا الحق ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " والذين يدعون من دونه " يعني : الأصنام يدعونها آلهة . قال أبو عبيدة : المعنى : والذين يدعون غيره من دونه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " لا يستجيبون لهم " أي : لا يجيبونهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " إلا كباسط كفيه إلى الماء " فيه خمسة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أنه العطشان يمد يده إلى البئر ليرتفع الماء إليه وما هو ببالغه ، قاله علي عليه السلام ، وعطاء .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنه الرجل العطشان قد وضع كفيه في الماء وهو لا يرفعهما ، رواه العوفي عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أنه العطشان يرى خياله في الماء من بعيد ، فهو يريد أن يتناوله فلا يقدر عليه ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع : أنه الرجل يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدا ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس : أنه الباسط كفيه ليقبض على الماء حتى يؤديه إلى فيه ، لا يتم [ ص: 318 ] له ذلك ، والعرب تقول : من طلب ما لا يجد فهو القابض على الماء ، وأنشدوا :


                                                                                                                                                                                                                                      وإني وإياكم وشوقا إليكم كقابض ماء لم تسقه أنامله



                                                                                                                                                                                                                                      أي : لم تحمله ، والوسق : الحمل ، وقال آخر :


                                                                                                                                                                                                                                      فأصبحت مما كان بيني وبينها     من الود مثل القابض الماء باليد



                                                                                                                                                                                                                                      هذا قول أبي عبيدة ، وابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ، فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : وما دعاء الكافرين ربهم إلا في ضلال ، لأن أصواتهم محجوبة عن الله ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : وما عبادة الكافرين الأصنام إلا في خسران وباطل ، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية