الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ( 113 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ولولا فضل الله عليك ورحمته " ، ولولا أن الله تفضل عليك ، يا محمد ، فعصمك بتوفيقه وتبيانه لك أمر هذا الخائن ، فكففت لذلك عن الجدال عنه ، ومدافعة أهل الحق عن حقهم قبله " لهمت طائفة منهم " يقول : لهمت فرقة منهم ، يعني من هؤلاء الذين يختانون أنفسهم أن يضلوك يقول : يزلوك عن طريق الحق ، وذلك لتلبيسهم أمر الخائن عليه صلى الله عليه وسلم ، وشهادتهم للخائن عنده بأنه بريء مما ادعي عليه ، ومسألتهم إياه أن يعذره ويقوم بمعذرته في أصحابه ، فقال الله تبارك وتعالى : وما يضل هؤلاء الذين هموا بأن يضلوك عن الواجب من الحكم في أمر هذا الخائن درع جاره ، إلا أنفسهم . [ ص: 200 ]

فإن قال قائل : ما كان وجه إضلالهم أنفسهم؟

قيل : وجه إضلالهم أنفسهم : أخذهم بها في غير ما أباح الله لهم الأخذ بها فيه من سبله . وذلك أن الله جل ثناؤه قد كان تقدم إليهم فيما تقدم في كتابه على لسان رسوله إلى خلقه ، بالنهي عن أن يتعاونوا على الإثم والعدوان ، والأمر بالتعاون على الحق . فكان من الواجب لله فيمن سعى في أمر الخائنين الذين وصف الله أمرهم بقوله : " ولا تكن للخائنين خصيما " ، معاونة من ظلموه ، دون من خاصمهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب حقه منهم . فكان سعيهم في معونتهم ، دون معونة من ظلموه ، أخذا منهم في غير سبيل الله . وذلك هو إضلالهم أنفسهم الذي وصفه الله فقال : " وما يضلون إلا أنفسهم " .

" وما يضرونك من شيء " ، وما يضرك هؤلاء الذين هموا لك أن يزلوك عن الحق في أمر هذا الخائن من قومه وعشيرته من شيء لأن الله مثبتك ومسددك في أمورك ، ومبين لك أمر من سعوا في إضلالك عن الحق في أمره وأمرهم ، ففاضحه وإياهم .

وقوله : " وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة " ، يقول : ومن فضل الله عليك ، يا محمد ، مع سائر ما تفضل به عليك من نعمه ، أنه أنزل عليك الكتاب وهو القرآن الذي فيه بيان كل شيء وهدى وموعظة والحكمة يعني : وأنزل عليك مع الكتاب الحكمة ، وهي ما كان في الكتاب مجملا ذكره ، من حلاله وحرامه ، وأمره ونهيه ، وأحكامه ، ووعده ووعيده " وعلمك ما لم تكن تعلم " من خبر الأولين والآخرين ، وما كان وما هو كائن ، فكل ذلك من فضل الله عليك ، يا محمد ، مذ خلقك ، فاشكره على ما أولاك من إحسانه إليك ، بالتمسك بطاعته ، [ ص: 201 ] والمسارعة إلى رضاه ومحبته ، ولزوم العمل بما أنزل إليك في كتابه وحكمته ، ومخالفة من حاول إضلالك عن طريقه ومنهاج دينه ، فإن الله هو الذي يتولاك بفضله ، ويكفيك غائلة من أرادك بسوء وحاول صدك عن سبيله ، كما كفاك أمر الطائفة التي همت أن تضلك عن سبيله في أمر هذا الخائن . ولا أحد دونه ينقذك من سوء إن أراد بك ، إن أنت خالفته في شيء من أمره ونهيه ، واتبعت هوى من حاول صدك عن سبيله .

وهذه الآية تنبيه من الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على موضع خطئه ، وتذكير منه له الواجب عليه من حقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية