الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ، فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين هذه الآيات تفصيل لقوله تعالى في سورة البقرة : ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت ( 2 : 65 ) إلى آخر الآيتين ، وقد تقدم تفسيرها ، ولا أعلم للقصة ذكرا من كتب اليهود المقدسة ، ولكنها كانت معروفة عندهم ، ولولا ذلك لبهتوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المدينة عندما نزل عليه ولقد علمتم أو لما آمن من آمن به من علمائهم إذا كانوا لا يعلمون ما حكي لهم عن الله تعالى أنهم يعلمونه مؤكدا بلام القسم ، وإذا قال غير المسلم المؤمن إنه اطلع على القصة في بعض كتبهم المقدسة أو التاريخية غير المقدسة أو سمعه من بعضهم قلنا أولا : إن آيات سورة الأعراف هذه نزلت بمكة في أوائل الإسلام ، ولم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقي أحدا من اليهود - ومن المعلوم قطعا أنه كان أميا لم يقرأ الكتب كما قال تعالى : وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون ( 29 : 48 ) إلخ . وثانيا : إنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن يصدقهم بعد معاشرتهم في المدينة بكل ما يحكون عن كتبهم بل كذبهم عن الله [ ص: 317 ] تعالى في كثير منها ، ولم يكن يصدقهم في كل ما يقولون غير منقول عن كتبهم بالأولى ، وهاك تفسير الآيات بمدلول ألفاظها ، ولا نعتمد على شيء من الروايات فيها : .

                          واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر الخطاب للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والسؤال فيه للتقرير المتضمن للتقريع ، والإدلال بعلم ماضيهم . والمعنى : واسأل بني إسرائيل عن أهل المدينة التي كانت حاضرة البحر أي قريبة منه ، راكبة لشاطئه إذ يعدون في السبت أي اسأل عن حالهم في الوقت الذي كانوا يعتدون في السبت ، ويتجاوزون حكم الله بالصيد المحرم عليهم فيهإذ تأتيهم أي سمكهم - ولا يزال أهل الحجاز يسمون السمكة حوتا كبيرة كانت أو صغيرة ، وأهل سورية يخصون السمكة الكبيرة باسم الحوت - وقد أضيفت الحيتان إليهم لما كان من ابتلائهم بها ، واحتيالهم على صيدها ، وكانت تأتيهم يوم سبتهم أي تعظيمهم للسبت ، فهو مصدر سبتت اليهود تسبت إذا عظمت السبت بترك العمل فيه وتخصيصه للعبادة ( شرعا ) أي ظاهرة على وجه الماء كما روي عن ابن عباس ، وفي رواية أخرى عنه ظاهرة من كل مكان - وهي جمع شارع كالركع السجد جمع الراكع والساجد ، من شرع عليه إذا دنا وأشرف ويوم لا يسبتون لا تأتيهم أي : ولا تأتيهم يوم لا يعظمون السبت فعلا وتركا . قيل : إنها اعتادت ألا يتعرض أحد لصيدها يوم السبت ، فأمنت وصارت تظهر فيه ، وتخفى في الأيام التي لا يسبتون فيها لما اعتادت من اصطيادها فيها ، فلما رأوا ظهورها وكثرتها في يوم السبت أغراهم ذلك بالاحتيال على صيدها ففعلوا .

                          كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون أي : مثل هذا البلاء بظهور السمك لهم نبلوهم أي نختبرهم أو نعاملهم معاملة المختبر لحال من يريد إظهار كنه حاله ليترتب الجزاء على عمله بسبب فسقهم المستمر عن أمر ربهم ، واعتدائهم حدود شرعه .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية