الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ربنا إني أسكنت الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج الواقدي ، وابن عساكر من طريق عامر بن سعد عن أبيه قال : كانت سارة تحت إبراهيم عليه السلام فمكثت معه دهرا لا ترزق منه ولدا فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمة قبطية ، فولدت له إسماعيل فغارت من ذلك [ ص: 558 ]

                                                                                                                                                                                                                                      سارة فوجدت في نفسها وعتبت على هاجر فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أشراف فقال لها إبراهيم : هل لك أن تبري يمينك فقالت : كيف أصنع قال : اثقبي أذنيها واخفضيها والخفض هو الختان ، ففعلت ذلك بها فوضعت هاجر في أذنيها قرطين فازدادت بهما حسنا ، فقالت سارة : أراني إنما زدتها جمالا فلم تقاره على كونه معها ووجد بها إبراهيم وجدا شديدا فنقلها إلى مكة فكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ) قال : أسكن إسماعيل وأمه مكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس قال : إن إبراهيم عليه السلام قال : ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) لو قال : فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لغلبتكم عليه الترك والروم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) قال : لو قال [ ص: 559 ]

                                                                                                                                                                                                                                      أفئدة الناس تهوي إليهم لازدحمت عليه فارس والروم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن الحكم قال : سألت عكرمة وطاوسا وعطاء بن أبي رباح عن هذه الآية ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) فقالوا : البيت تهوي إليه قلوبهم يأتونه ، وفي لفظ قالوا : هواهم إلى مكة أن يحجوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن قتادة في قوله : ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) قال : تنزع إليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن محمد بن مسلم الطائفي ، أن إبراهيم لما دعا للحرم ( وارزق أهله من الثمرات ) نقل الله الطائف من فلسطين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الزهري قال : إن الله نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة ( بواد غير ذي زرع ) قال : مكة ، لم يكن بها زرع يومئذ .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 560 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ) وإنه بيت طهره الله من السوء وجعله قبلة وجعله حرمه اختاره نبي الله إبراهيم لولده ، وقد ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قال في خطبته : إن هذا البيت أول من وليه ناس من طسم فعصوا فيه واستخفوا بحقه واستحلوا حرمته فأهلكهم الله ثم وليه ناس من جرهم فعصوا فيه واستخفوا بحقه واستحلوا حرمته فأهلكهم الله ثم وليتموه معاشر قريش ، فلا تعصوا ولا تستخفوا بحقه ولا تستحلوا حرمته وصلاة فيه أفضل من مائة صلاة بركبة والمعاصي فيه على قدر ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) قال : إن إبراهيم سأل الله أن يجعل أناسا من الناس يهوون سكنى مكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) يقول : خذ بقلوب الناس إليهم فإنه حيث يهوى القلب يذهب الجسد فلذلك ليس من مؤمن إلا وقلبه معلق بحب الكعبة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : لو أن إبراهيم حين دعا قال : اجعل أفئدة الناس تهوي [ ص: 561 ]

                                                                                                                                                                                                                                      إليهم ، لازدحمت عليه اليهود والنصارى ، ولكنه خص حين قال : ( أفئدة من الناس ) فجعل ذلك أفئدة المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر والبيهقي في «الشعب» بسند حسن عن ابن عباس قال : لو كان إبراهيم عليه السلام قال : فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لحجه اليهود والنصارى والناس كلهم ولكنه قال : ( أفئدة من الناس ) فخص به المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة : اللهم بارك لهم في صاعهم ومدهم واجعل أفئدة الناس تهوي إليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية